عنوان الفتوى : هل يتحمل وزر أولاده وأحفاده إذا انحرفوا عن الإسلام في بلاد الكفار؟
إذا انتقلت لأعيش في اليابان، هل سأحصل على خطايا أطفالي وأحفادي إذا تحوّلوا عن الإسلام؟
الحمد لله.
السكن في بلاد الكفار محفوف بالمخاطر؛ لكثرة الفتن والمغريات، والخطر على الأولاد والأحفاد أعظم، فربما أُجبروا على المنكرات في المدارس وغيرها، وقد لا يكون للأب سلطان على ابنه أو ابنته، فلا يمكنه ردعه عن علاقة محرمة، أو تصرف محرم، فينشأ الولد على المعصية، وربما قاده ذلك إلى ترك الدين رأسا، والواقع في تلك البلاد يشهد بذلك.
والأبوان مسؤولان عن تربية أولادهما، ووقايتهما من أسباب الانحراف.
قال الله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً ) التحريم/6 ، َقَالَ مُجَاهِد وغيره من السلف : أَوْصُوا أَهْلِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّه وَأَدِّبُوهُمْ ، وقال قتادة : مُرُوهُمْ بِطَاعَةِ اللَّه وَانْهَوْهُمْ عَنْ مَعْصِيَته
وروى البخاري (2554)، ومسلم (1829) عن عَبْدِ اللَّهِ بن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (كُلُّكُمْ رَاعٍ فَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، فَالْأَمِيرُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُمْ ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُمْ ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ بَعْلِهَا وَوَلَدِهِ وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْهُمْ ، وَالْعَبْدُ رَاعٍ عَلَى مَالِ سَيِّدِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُ ، أَلا فَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ).
وتختلف البلدان في كثرة الشر وقلته، واحتمال فساد الأولاد وعدمه، كما يختلف الأمر باختلاف أعمار الأولاد، فحفظ الصغار أسهل من حفظ المراهقين والكبار.
والذي يمكن قوله في مسؤولية الوالدين عن انحراف أولادهم: أنه لو أخذ الوالدان بأسباب الصلاح، واجتنبا أسباب الفساد، فإنهما لا يُسألان عما وراء ذلك.
وتطبيق ذلك فيما يخص مسألتنا: أنه لا يحل للوالدين أن ينتقلا بأولادهما من بلاد المسلمين، وحيث يغلب على الظن الأمن عليهم من الفتنة في الدين، لا سيما الفتن الكبرى التي يتعرض لها من يعيش في بلاد الكفار؛ لا يحل للوالدين أن ينتقلا بأبنائهما، ولهما بد من ذلك، حتى وإن كان عيش أرغد من عيش، ومال أوفر من مال ... ونحو ذلك من عرض الدنيا.
فإذا طرأ عليهم، أو على بلادهم : ما يضطرهم إلى النقلة إلى بلد من بلاد الكفار، ولم يجدوا بدا من ذلك؛ فالواجب على الوالدين: أن يختارا بلدا يكثر فيه المسلمون، وتظهر فيها الشعائر، ويتمكنو فيها من إظهار الدين.
ويكون من بين محددات البلد الذي يسكنون فيه: أن توجد فيه مدارس خاصة بالمسلمين، يتمكن أولادهم من الدراسة فيها، ويسلمون فيها من رؤية العري والمنكرات ومن دراسة الكفر.
وأن يتعاهدا أولادهما بدراسة العربية والدين وحفظ القرآن الكريم وحضور الجمع والجماعات.
فإن وجدت مدينة كذلك، فلا حرج على الوالدين في العيش فيها، فإن انحرف الابن بعد ذلك لم يلحقهما إثم، كما لو انحرف الابن في بلد مسلم.
وأما إن كانت البلد يقل فيها المسلمون، وربما تنعدم فيها المساجد، أو لا يمكن إتيانها إلا في الجمعة، ولم تكن فيها مدارس إسلامية، فيدرس الأولاد مع أهل البلد ويتلقون عاداتهم، ويرون منكراتهم، ويدرسون مناهجهم، فهذه بيئة مهيئة للانحراف؛ بل الأصل فيها حصول الانحراف، فمن سافر بأولاده إلى مثل هذا، فقد جنى عليهم وأفسدهم وأضاعهم، وهو مسؤول عن انحرافهم، فضلا عن كفرهم وردتهم، عياذا بالله.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: (مَا مِنْ عَبْدٍ اسْتَرْعَاهُ اللَّهُ رَعِيَّةً فَلَمْ يَحُطْهَا بِنَصِيحَةٍ إِلَّا لَمْ يَجِدْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ) رواه البخاري (7150)، ومسلم (142).
وقال: (إِنَّ اللهَ سَائِلٌ كُلَّ رَاعٍ عَمَّا اسْتَرْعَاهُ، أَحَفِظَ ذَلِكَ أَمْ ضَيَّعَ؟ حَتَّى يَسْأَلَ الرَّجُلَ عَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ) رواه ابن حبان، وصححه الألباني في "غاية المرام" برقم:(271).
فإذا سئل الأب غدا عن سفره لتلك البلاد مع غلبة ظنه بفساد الأولاد، فبم يجيب؟
هل يقول: يا رب بحثت عن المال أو النظافة أو الرفاهية أو الحرية أو التعليم الجيد؟
وما قيمة ذلك إذا كان المقابل هو فقدان الدين؟!
وبهذا تعلم أن الأصل هو التضييق والمنع من السفر بالأولاد إلى بلاد الكفار إلا للمضطر، و لمن يجد مدينة يجتمع فيها ما ذكرنا من كثرة المسلمين وكثرة مساجدهم ووجود مدارسهم ومنتدياتهم.
فإذا سافر المسلم إلى تلك البلاد مضطرا ، وكانت إقامته بينهم جائزة شرعا ، وفعل ما بوسعه للحفاظ على أولاده مما سبق ذكر بعضه ، ولكنهم انحرفوا ، فهذا لا إثم عليه .
أما من سافر إلى هناك باختياره ، ولم يكن له عذر مقبول شرعا في الإقامة بتلك البلاد ، فإن انحرف أحد من أولاده فهو مسؤول عنه ، لأنه هو الذي قدم به إلى هذا الشر ، ويسره له .
وينظر للفائدة: جواب السؤال رقم: (52893)، (224475)
ونسأل الله أن يحفظنا وإياك والمسلمين.
والله أعلم.