عنوان الفتوى : حكم سفر المسلم إلى بلاد الكفر للإقامة والسكن فيها

مدة قراءة السؤال : دقيقة واحدة

أنا من باكستان وأريد الاستقرار في نيوزيلاندا، والسبب الرئيس لذلك هو الحفاظ على حياتي، فالحياة في باكستان أصبحت من الصعوبة بمكان، فهناك تفجيرات وقتل متعمد وسرقة وسطو وقطع للطريق واغتيالات سياسية ودينية..الخ. أعلم أنه لا يجوز للمسلم الاستقرار في بلد غير إسلامي، وبالأخص للمتدينين الذين يحاولون التمسك بالكتاب والسنة. فما رأي الشرع في مثل حالتي؟

مدة قراءة الإجابة : 6 دقائق

الحمد لله.


أولا :
إقامة المسلم في بلاد الكفر ، قد أفتى أهل العلم بأن الأصل عدم جوازها ، وذلك للآتي :
1- ورود الأحاديث النبوية بالنهي عن إقامة المسلم في بلاد الكفر ، والأمر بمفارقة الكفار ؛ ومن ذلك :
ما ورد عن رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال : ( أَنَا بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ يُقِيمُ بَيْنَ أَظْهُرِ الْمُشْرِكِينَ) رواه أبو داود ( 2645 ) ، والترمذي ( 1604 ) ، وصححه الألباني في " إرواء الغليل " ( 5 / 29 - 30 ) .
وعَنْ أَبِي نُخَيْلَةَ الْبَجَلِيِّ قَالَ : قَالَ جَرِيرٌ : أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُبَايِعُ ، فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، ابْسُطْ يَدَكَ حَتَّى أُبَايِعَكَ ، وَاشْتَرِطْ عَلَيَّ ، فَأَنْتَ أَعْلَمُ ، قَالَ : ( أُبَايِعُكَ عَلَى أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ ، وَتُقِيمَ الصَّلَاةَ ، وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ ، وَتُنَاصِحَ الْمُسْلِمِينَ ، وَتُفَارِقَ الْمُشْرِكِينَ ) رواه النسائي ( 4177 ) ، وصححه الألباني في " سلسلة الأحاديث الصحيحة " ( 2 / 227 ) .
2- بلاد الكفر في هذا الزمن كثرت بينهم الفواحش وتفننوا فيها حتى أصبحت من عاداتهم وعرفهم ولا ينكرها عندهم أحد إلا عابوه . فمثل هذه البلاد إذا سافر إليها المسلم ليعيش فيها فقد عرض نفسه للفتن والفواحش .
ثانيا :
السفر والإقامة في بلاد الكفر إنما نهي عنهما لأنهما ذريعة إلى الفساد كما سبق ، إما فساد الشهوات والفواحش ، وإما فساد الدين بجملته فبأن يفتن المرء عن دينه ، وينتقل إلى دين آخر .
وقد تقرر أن ما هو محرم تحريم الوسائل والذارئع ؛ فإنه قد يباح للضرورة أو الحاجة .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى :
" وما كان منهيا عنه لسد الذريعة ، لا لأنه مفسدة في نفسه : يشرع إذا كان فيه مصلحة راجحة" انتهى من " مجموع الفتاوى ( 23 / 214 ) .
وهذه الحالة – أي وجود مصلحة راجحة - تتصور في مسألتنا هذه إذا توفر شرطان هامَّان عند هذا المسافر إلى بلاد الكفر والمقيم فيها :
الشرط الأول : أن يتمكن من إظهار دينه ، وممارسة شعائره ، وأن يغلب على ظنه الأمن من فتن الشبهات والشهوات المبذولة هناك بيسر .
الشرط الثاني : أن تكون هناك مصلحة راجحة في سفره وإقامته في بلاد الكفر لا يمكن تحقيقها في بلاد المسلمين كطلب علم مهم لا يوجد في بلاد المسلمين أو دعوة إلى دين الله ، ونحو هذا .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى :
" السفر إلى بلاد الكفار لا يجوز إلا بثلاثة شروط :
الشرط الأول : أن يكون عند الإنسان علم يدفع به الشبهات .
الشرط الثاني : أن يكون عنده دين يمنعه من الشهوات .
الشرط الثالث : أن يكون محتاجا إلى ذلك .
فإن لم تتم هذه الشروط فإنه لا يجوز السفر إلى بلاد الكفار لما في ذلك من الفتنة أو خوف الفتنة ... " انتهى من " مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " ( 6 / 131 - 132 ) .

والذي يظهر لنا ، والله أعلم ، أن الحاجة الماسة غير متوفرة في حالتك ، لأنه لا يظهر مما ذكرته وجود حاجة ماسة أو ضرورة تدفعك للإقامة في بلاد الكفر ؛ لأن هذه الحوادث التي ذكرتها وإن كثرت إلا أنها – على حسب علمنا - لم تصل إلى حد خروج الحياة في باكستان إلى الفوضى العامة ، فما زالت هناك مناطق كثيرة آمنة داخل باكستان ، فيمكن للمسلم أن ينتقل من مدينة أقل أمنًا إلى أخرى أكثر أمنًا .

لكن إذا قدر من حال شخص : أنه لم يعد آمنا على نفسه ، أو على دينه ، وهو في بلده ، ولم يتيسر له العيش آمنا في شيء من بلاد المسلمين ، فلا حرج عليه أن ينتقل إلى حيث يأمن على دينه ، ونفسه ، وأهله ، ولو كان من بلاد الكفار .
وقد سبق في الفتوى رقم : (13363) تفصيل مهم حول هذه المسألة .
والله أعلم .