عنوان الفتوى : دعاء المرأة أن يفرق الله بينها وبين زوجها
السؤال
أنا امرأة متزوجة منذ 18 سنة، آذاني زوجي خلالها كثيرا من ضرب وإهانة، وأخذ مالي، وجعلني أترك عملي قبل استحقاقي للتقاعد لستة أشهر فقط، علما أنني طبيبة نسائية وتوليد.
لا أملك الآن ولا فلسا واحدا، ولا يصرف عليَّ أبدا بما يرضي الله، ويسخر مني إذا رآني أقرأ القرآن، أو أستمع لأحاديث الذكر، وحرمني من زيارة أي بشر. وأحيانا لا أخرج من البيت لمدة سنة، ولا حتى للحديقة، ويعلم الله أنني لم أعص الله فيه، ولم أقصر في حقه أبدا.
فهل يجوز أن أدعو الله أن يفرق بيني وبينه؟
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل المولى العلي القدير أن يفرج عنك الهم، وينفس الكرب، ويصلح ما بينك وبين زوجك.
ونوصيك بالدعاء له بالهداية وصلاح الحال، فهذا خير من الدعاء بالفراق، فلعل الله يصلحه، ويكون في ذلك خير لك، وله، وللأسرة جمعاء إن رزقت منه أولادا.
وإن كان هذا هو حاله معك، فهو جافي الطبع، غليظ القلب، سيئ المعشر، لا يألف ولا يؤلف، ثبت في مسند أحمد عن سهل بن سعد الساعدي -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: المؤمن مألفة، ولا خير فيمن لا يألف، ولا يؤلف.
ومن أخطر ما أوردت من تصرفاته كونه يسخر منك إذا رآك تقرئين القرآن، أو تستمعين أحاديث الذكر، فهذا مسلك من لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر.
وكونه يضربك ويهينك، ولا ينفق عليك، بل ويأخذ مالك، فهذا منه ظلم واعتداء، ومناف لما هو مأمور به من معاملتك بالحسنى، كما قال تعالى: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ {النساء:19}.
وفي معنى هذه الآية قال الجصاص: أمر للأزواج بعشرة نسائهم بالمعروف، ومن المعروف أن يوفيها حقها من المهر، والنفقة، والقسم، وترك أذاها بالكلام الغليظ، والإعراض عنها، والميل إلى غيرها، وترك العبوس والقطوب في وجهها بغير ذنب، وما جرى مجرى ذلك، وهو نظير قوله تعالى: فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان. اهـ.
وقال السعدي في تفسيره: على الزوج أن يعاشر زوجته بالمعروف، من الصحبة الجميلة، وكف الأذى، وبذل الإحسان، وحسن المعاملة. اهـ.
ومن الغريب أن يعاملك بهذا السوء، ولست مجرد زوجة، بل بلغت هذا المستوى العالي من التعليم، مما يقتضي منه مزيد احترام وإكرام لك.
ونوصي بأن يُبْذَلَ له النصحُ، ويُذَكَّر بالله تعالى ويُخَوَّف من أليم عقابه، وأن الله أقدر عليه، فربما انتقم منه عاجلا غير آجل، فالظلم مرتعه وخيم.
روى البخاري عن أبي موسى -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته. قال: ثم قرأ: وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ {هود:102}.
وروى مسلم عن أبي مسعود البدري -رضي الله عنه- قال: كنت أضرب غلاما لي بالسوط، فسمعت صوتا من خلفي: « اعلم أبا مسعود». فلم أفهم الصوت من الغضب. قال: فلما دنا منى إذا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا هو يقول: « اعلم أبا مسعود، اعلم أبا مسعود». قال: فألقيت السوط من يدي، فقال: « اعلم أبا مسعود أن الله أقدر عليك، منك على هذا الغلام ». قال فقلت: لا أضرب مملوكا بعده أبدا.
فإن انتفع بالنصح وعاد لرشده؛ فالحمد لله، وإن استمر على ما هو عليه، فلك الحق في رفع الأمر إلى القضاء؛ لرفع الضرر عنك، ولمطالبته بما لك عليه من حقوق مالية.
وأما الدعاء فينبغي أن تدعي الله تعالى أن يقدر لك ما فيه الخير العاجل والآجل. ولم لا تدعين الله أن يصلح الله لك، ويجمع بينكما على خير، ويؤلف بين قلوبكما، بدلا من أن تدعي بالفراق، فليس شيء من ذلك عزيزا على الله تعالى.
عافانا الله وإياك من كل بلاء.
والله أعلم.