عنوان الفتوى : الرأي في كتاب: "رسالة في إثبات الاستواء والفوقية" وهل هي للجويني؟
أريد السؤال عن "رسالة في إثبات الاستواء والفوقية" لأبي محمد عبد الله بن يوسف الجويني، هل هي موافقة لمنهج أهل السنة، ومنهج السلف الصالح؟ وهل يمكن الأخذ بها؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فهذه الرسالة جرى صاحبها - رحمه الله - على منهج السلف في الإثبات، والتنزيه معًا، ولكن نسبتها لأبي محمد الجويني والد إمام الحرمين أبي المعالي الجويني، ليست ثابتة! وقد نُسِبت إليه؛ اتباعًا لما جاء على طرة مخطوطها، الذي طبع ضمن مجموعة الرسائل المنيرية (1 / 174)!!
وهذه النسبة ليست صحيحة؛ فقد ذكر مؤلفها حديث الأوعال - كما جاء في الوجه السادس من المخطوط - ثم قال: قال الإمام الحافظ عبد الغني في عقيدته لما ذكر حديث الأوعال، قال: رواه أبو داود، والترمذي، وابن ماجه. وقال: حديث الروح رواه أحمد، والدارقطني. اهـ.
وهذا موجود بالفعل في المطبوع من (عقيدة الحافظ عبد الغني بن عبد الواحد المقدسي الحنبلي (ص: 42، ص: 45))، والحافظ عبد الغني المقدسي ولد سنة 541، وتوفي 600هـ. وأبو محمد الجويني توفي سنة 438 هـ. أي: قبل ولادة الحافظ عبد الغني بأكثر من قرن من الزمان، فكيف ينقل عنه؟!!
وهذا ما دفع محقق الرسالة الدكتور أحمد حقي إلى ترجمة الحافظ عبد الغني على أنه ابن سعيد الأزدي المصري!!! ولكن الصواب ما قدمناه من أنه ابن عبد الواحد المقدسي الحنبلي، صاحب العقيدة المشهورة.
والصواب في نسبة هذه الرسالة أنها من تأليف الإمام عماد الدين أبي العباس أحمد بن إبراهيم الواسطي المعروف: بابن شيخ الحزامين، وهو ممن صحبوا شيخ الإسلام ابن تيمية، وتأثروا به، قال السفاريني في لوامع الأنوار البهية: ذكر الإمام أبو العباس عماد الدين أحمد بن إبراهيم الواسطي الصوفي المحقق العارف، تلميذ شيخ الإسلام ابن تيمية - قدس الله سرهما، الذي قال فيه شيخ الإسلام: إنه جنيد زمانه - في رسالته: نصيحة الإخوان ما حاصله في مسألة العلو والفوقية والاستواء، هو: أن الله عز وجل كان ولا مكان، ولا عرش، ولا ماء، ولا فضاء، ولا هواء، ولا خلاء، ولا ملأ، وإنه كان منفردًا ... اهـ. وذكر هذه الرسالة ذاتها.
والواسطي هذا هو الذي يليق بنسبة هذه الرسالة، الذي قال في مقدمتها: إنني كنت برهة من الدهر متحيرًا في ثلاث مسائل: مسألة الصفات، ومسألة الفوقية، ومسألة الحرف والصوت في القرآن المجيد! وكنت متحيرًا في الأقوال المختلفة الموجودة في كتب أهل العصر في جميع ذلك من: تأويل الصفات وتحريفها، أو إمرارها والوقوف فيها، أو إثباتها بلا تأويل، ولا تعطيل، ولا تشبيه، ولا تمثيل. اهـ.
وقد ترجم له الحافظ ابن رجب في ذيل طبقات الحنابلة، وذكر تقلبه بين المذاهب والطوائف، ثم قال: ثُمَّ قدم دمشق، فرأى الشيخ تقي الدين ابْن تيمية، وصاحبه، فدله عَلَى مطالعة السيرة النبوية، فأقبل عَلَى سيرة ابْن إِسْحَاق تهذيب ابْن هِشَام، فلخصها، واختصرها، وأقبل عَلَى مطالعة كتب الْحَدِيث والسنة والآثار، وتخلى من جميع طرائقه، وأحواله، وأذواقه، وسلوكه، واقتفى آثار الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهديه، وطرائقه المأثورة عَنْهُ فِي كتب السنن والآثار، واعتنى بأمر السنة أصولًا وفروعًا، وشرع فِي الرد على طوائف المبتدعة الذين خالطهم وعرفهم، من الاتحادية، وغيرهم، وبين عوراتهم، وكشف أستارهم، وانتقل إِلَى مذهب الإمام أَحْمَد. اهـ. ثم نقل عن الذهبي قوله فيه: وكَانَ داعية إِلَى السنة، ومذهبُه مذهبُ السلف الصالح في الصفات، يُمِرُّها كَمَا جاءت. اهـ.
وقد طبعت هذه الرسالة منسوبة إليه باسم: (النصيحة في صفات الرب جل وعلا).
والله أعلم.