عنوان الفتوى : الإجهاض هل هو عقوبة، وهل السقط يشفع لأبويه؟
عمري 33، وزوجي 43، حملت بعد ثلاث سنوات زواج عن طريق الزراعة لمشاكل خصوبة بي، وليس من زوجي، ومن أول تجربة تم الحمل، لكني كنت أقول لمن يسألني إنه حمل طبيعي، وأنكرت أنه زراعة، كنت أحس أن موضوع الزراعة انتقاص لي، ولم أحمد الله، وكنت أسخط لماذا لم يكتب الله لي الحمل الطبيعي كبقية النساء.
ثبت معي توأم، تمنيت أن يكونا ولدا وبنتا، ثم تبين أن الحمل توأم بنات، ولكني لم أحمد الله أيضا، بل ضللت أتذمر أني لم أرد من البداية أن يكونا جنينين أصلا، وكيف أني سأتعب بهم تعبا مضاعفا، وفي النهاية سأنجب بنتين، لا ولد معهما، وكنت دائما أتذمر، لماذا فلانة رزقها الله توأم أولاد بالزراعة؟ ولماذا الله يعطي الناس ما يتمنون، ولا يعطيني إلا القليل، وعكس ما أتمنى؟ إلى أن جاءت الصفعة صباح يوم عيد الفطر وأجهضت في الشهر الخامس، ويشهد الله أني مع كل ذلك لم أتمنى يوما أن أخسر حملي، لكن قدر الله وما شاء فعل.
وأنا الآن بحالة نفسية سيئة جدا جدا، وضائق بي الكون. فقد كنت بعيدة جدا عن الله، أنا دائما أبكي وأتحسر، وأتخيل البنات كيف سيكنَّ لو أتممت الحمل، أتمنى أن يرجعن لي؛ لأني رأيت صورة لهن بعد الإجهاض، وتأملت ملامحهن البريئة. قلبي يحترق حسرة عليهن، وندما. وخصوصا أن زوجي يحملني مسؤولية ما حصل، وأني كنت أتذمر، ولم أحمد الله. زوجي من قام بدفن البنات، وتحسر أكثر مني، وكاد يفقد عقله، حيث إنه كان ينتظر قدومهن على جمر، ودائما يحمد الله، ولم يتذمر يوما من كونهن بنات، والأصعب أن أعمارنا ليست صغيرة لنفكر بمحاولة الإنجاب، وتجربة الزراعة مرة أخرى، وهو الآن هجرني، ينام بغرفة منفصلة، لا يكلمني إلا عتابا، وتأنيبا، وتوجيعا، ويريد تطليقي بعد أن أنتهي من النفاس.
أريد من حضرتكم إسماعي كلاما يبرد حرقة ونار قلبي، وكيف لي أن أكفر عن ذنبي مع بناتي؟ وهل سيسامحنني؟ وهل سأراهن بالجنة على هيئة بشر، وأضمهن، وليس طيور جنة، وكيف لي أن أسلي نفسي بعد الكارثة التي حلت بي، فالكون بوسعه ضائق علي. وهل سيسامحني الله بعد كل هذا.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله تعالى أن يذهب عنك الهم، ويفرج الكرب، ويصلح ما بينك وبين زوجك، ويرزقكما الذرية الطيبة، ونوصيكما بعدم اليأس، وبذل الأسباب في هذا السبيل، ومن أهمها الدعاء، فالله على كل شيء قدير، فهو قد خلق آدم من غير أب وأم، وخلق حواء من ضلع آدم، وخلق عيسى -عليه السلام- من أم بلا أب، ورزق إبراهيم على كبر سنه إسماعيل وإسحاق. فالمقصود دعاؤه، وحسن الظن به، وهو قد أمر بالدعاء، ووعد بالإجابة فقال سبحانه: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ {غافر:60}.
وليس عيبا أن يرزق الزوجان البنات، وليس للمسلم أن يحزن إذا رزق البنات، فقد كان هذا من شأن الجاهليين الذين عابهم القرآن، كما في قوله سبحانه: وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ *يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ {النحل:59}، {النحل:58}.
وفي إنجاب البنات فضل عظيم على الوالدين في الدنيا والآخرة، فقد يجدان منهن من البر والنفع ما لا يجدانه من الذكور. وراجعي الفتوى 50942، وهي عن فضل تربية البنات.
فكونك قد حملت ببنتين هذه نعمة، وحق النعمة أن تقابل بالشكر لا بالكفران، فالكفران قد يكون سببا لزوال النعم؛ كما قال تعالى: وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ {النحل:112}،
ولكن لا يلزم أن يكون فقدانك لهاتين البنتين من باب العقوبة، فقد تكون المصيبة لمجرد الابتلاء، أو لزيادة الأجر، ورفعة المقام، فالنبي -صلى الله عليه وسلم- أشد الناس بلاء، وقد غفر له ذنبه ما تقدم منه وما تأخر.
وينبغي أن تقابل المصيبة بالصبر لتكون لصاحبها نعمة، روى الترمذي عن أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: إذا مات ولد العبد قال الله لملائكته: قبضتم ولد عبدي، فيقولون: نعم، فيقول: قبضتم ثمرة فؤاده، فيقولون: نعم، فيقول: ماذا قال عبدي؟ فيقولون: حمدك واسترجع، فيقول الله: ابنوا لعبدي بيتا في الجنة، وسموه بيت الحمد.
ومن البشريات أن السقط يشفع لأبويه حتى يدخلا الجنة معه، وسبق أن بينا ذلك في الفتوى: 396226. فنسأل الله تعالى أن يرزقكما الجنة، ويجمعكما ببنتيكما في الجنة.
وينبغي لك ولزوجك تناسي الماضي، وحسراته، وترك اللوم والعتاب، فالأفضل هو استشراف المستقبل، وقد جاء في الحديث الذي رواه مسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز، وإن أصابك شيء، فلا تقل لو أني فعلت كان كذا وكذا، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان.
ونرجو أن لا يلجأ زوجك إلى الطلاق، ولا ينبغي اليأس من أمر الإنجاب، فاحرصا على كثرة الدعاء، وحسن الظن بالرب الكريم فهو الواهب، قال تعالى: لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ * أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ {الشورى:50}.
وتراجع الفتوى: 23586. للتفصيل في السخط على قضاء الله تعالى.
والله أعلم.