عنوان الفتوى : هل وضع لوحات الأذكار في المسجد من البدع؟
علمت أن البدعة لها شروط، وهي: أن تكون عبادة، وأن يكون النبي صلى الله عليه وسلم احتاج إليها ولم يفعلها، كالذكر الجماعي، وأن لا يمنعه من فعلها مانع، كمكبرات الصوت في الأذان، فنقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم لو وصلت إليه لما امتنع من استخدامها؛ لما فيها من المصلحة. ولكن هل هذه الضوابط والشروط ثابتة، ولا يوجد غيرها، وتُبنى عليها كل المسائل؟ وإذا كان كذلك، فكيف نوجه تعليق لوحات أذكار ما بعد الصلاة في المساجد، إذ أنها عبادة، واحتيج اليها في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وكان عنده من الصحابة رضي الله عنهم من يكتب ولم يأمرهم بفعلها؟ أرجو توضيح مقياس البدعة أكثر، وكيف تراعى المصالح والمفاسد في هذه المسألة؟
الحمد لله.
البدعة كل محدَث في الدين لم يفعلْه النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم ولا صحابته، ولم يندرجْ تحت أصلٍ شرعي.
ومن ضوابط البدعة: أن كل أمر تركه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه مع قيام المقتضي له، وعدم المانع من فعله، ففعله الآن بدعة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، مع وجود ما يُعتقد مقتضيا، وزوال المانع : سنة ؛ كما أن فعله سنة.
فلما أمر بالأذان في الجمعة، وصلى العيدين بلا أذان ولا إقامة ؛ كان ترك الأذان فيهما سنة، فليس لأحد أن يزيد في ذلك، بل الزيادة في ذلك، كالزيادة في أعداد الصلوات أو أعداد الركعات، أو صيام الشهر، أو الحج، فإن رجلا لو أحب أن يصلي الظهر خمس ركعات ، وقال: هذا زيادة عمل صالح، لم يكن له ذلك.
وكذلك لو أراد أن ينصب مكانًا آخر يُقصد لدعاء الله فيه وذكره، لم يكن له ذلك، وليس له أن يقول: هذه بدعة حسنة، بل يقال له : كل بدعة ضلالة.
ونحن نعلم أن هذا ضلالة ، قبل أن نعلم نهيا خاصا عنها، أو نعلم ما فيها من المفسدة.
فهذا مثال لما حدث، مع قيام المقتضي له، وزوال المانع ، لو كان خيرا .
فإن كل ما يبديه المحدِث لهذا من المصلحة، أو يستدل به من الأدلة، قد كان ثابتا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومع هذا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهذا الترك سنة خاصة، مقدمة على كل عموم وكل قياس" انتهى من "اقتضاء الصراط المستقيم" (2/ 103(.
وقال الشاطبي رحمه الله: " وذلك أن سكوت الشارع عن الحكم في مسألة ما، أو تركه لأمر ما على ضربين:
أحدهما: أن يسكت عنه، أو يتركه، لأنه لا داعية له تقتضيه، ولا موجب يقرَّر لأجله، ولا وقع سبب تقريره؛ كالنوازل الحادثة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، فإنها لم تكن موجودة ثم سكت عنها مع وجودها؛ وإنما حدثت بعد ذلك، فاحتاج أهل الشريعة إلى النظر فيها، وإجرائها على ما تبين في الكليات التي كمل بها الدين.
وإلى هذا الضرب يرجع جميع ما نظر فيه السلف الصالح، مما لم يبينه رسول الله صلى الله عليه وسلم على الخصوص، مما هو معقول المعنى؛ كتضمين الصناع، ... جمع المصحف، ثم تدوين الشرائع، وما أشبه ذلك مما لم يحتج في زمانه عليه السلام إلى تقريره...
والضرب الثاني: أن يسكت الشارع عن الحكم الخاص، أو يترك أمرا ما من الأمور، وموجِبه المقتضي له قائم، وسببه في زمان الوحي وفيما بعده موجود ثابت، إلا أنه لم يتجدَّد فيه أمر زائد على ما كان في ذلك الوقت .
فالسكوت في هذا الضرب: كالنص على أن القصد الشرعي فيه، أن لا يزاد فيه على ما كان من الحكم العام في أمثاله، ولا ينقص منه؛ لأنه لما كان المعنى الموجِب لشرعية الحكم العملي الخاص موجودا، ثم لم يشرع، ولا نبه على استنباطه؛ كان صريحا في أن الزائد على ما ثبت هنالك: بدعة زائدة، ومخالفة لقصد الشارع؛ إذ فُهم من قصده الوقوف عند ما حد هنالك، لا الزيادة عليه، ولا النقصان منه" انتهى من "الاعتصام" (2/281).
فما تركه النبي صلى الله عليه وسلم لعدم المقتضي له، أو لوجود المانع، خرج فعله الآن عن البدعة.
ومثال الأول: جمع المصحف، وتدوين الشرائع.
ومثال الثاني: التراويح جماعة، لم يداوم عليها صلى الله عليه وسلم خشية أن تفرض.
وكتابة الأذكار وتعليقها في المسجد تدخل في الأول، أي مما ترك لعدم وجود الحاجة والمقتضي له، وذلك لقلة من يقرأ ويكتب من الصحابة، مع جودة حفظهم وسهولة حفظ هذه الأذكار؛ فلم يكونوا بحاجة لمثل ذلك، كما لم يحتاجوا لتدوين الفقه والشريعة، فلو احتاج الناس إليه اليوم ففعل، لم يكن بدعة.
ومكبرات الصوت من الوسائل والعادات، وليس من العبادات، فلا تدخل في باب البدعة المذمومة.
وينظر: جواب السؤال رقم:(23443).
والله أعلم.
أسئلة متعلقة أخري |
---|
هل وضع لوحات الأذكار في المسجد من البدع؟ |