عنوان الفتوى : شبهة يثيرها أهل الكفر حول قوله تعالى: ( وَامْرَأَةً مُّؤْمِنَةً إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ ).

مدة قراءة السؤال : دقيقة واحدة

هذه شبهة أتمنى الرد عليها من أحد النصارى المشهورين، ويرمي شبهاته على الإسلام، في الآية الكريمة: (وَامْرَأَةً مُّؤْمِنَةً إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَن يَسْتَنكِحَهَا خَالِصَةً لَّكَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ )، هذه الآية تقول: إنه إذا أرادت امرأة أن تهب نفسها للرسول، ويزني بها بدون عقد زواج، ـ وحاشا رسولنا ـ؛ لأن الإستنكاح قد لا يعني الزواج، وإنما تعني الزنا حسب بعض المفسرين في هذه الآية(الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ)، وأن هنا النكاح بمعنى البغاء، فما الذي يمنع أن تكون في آية الواهبه نفسها للرسول بمعنى البغاء. فما الرد على هذه الشبهة؟ وما نصيحتكم لأن نتجنب الشبهات؟

مدة قراءة الإجابة : 15 دقائق

الحمد لله.

أولا:

لفظ "النكاح" يطلق ويراد به الزواج وعقده، وربما قصد به الجماع وحده.

قال ابن الجوزي رحمه الله تعالى:

" قال المفضل: أصل النّكاح: الجماع، ثمّ كثر ذلك حتّى قيل للعقد: النّكاح.

وقال أبو عمر غلام ثعلب: الّذي حصلناه عن ثعلب عن الكوفيّين، والمبرّد عن البصريين: أن النّكاح في أصل اللّغة اسم للجمع بين الشّيئين، وقد سمّوا الوطء نفسه نكاحا من غير عقد...

وقال القاضي أبو يعلى: وقد يطلق اسْم النّكاح على العقد، قال الله تعالى: ( إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ )، والمراد به العقد دون الوطء؛ إلّا أنه حقيقة في الْوَطْء، مجاز فِي العقد.

وإنّما سمّي العقد نكاحا؛ لأنّه سبب يتوصّل به إلى الوطء. وقد يسمى الشّيء باسم غيره إِذا كان مجاورا له أو بينهما سبب… " انتهى من "نزهة الأعين النواظر" (ص 590-591).

واللفظ إذا احتمل معاني عدّة؛ فإنه في كل جملة يفسر بالمعنى الذي يقتضيه السياق والقرائن المحيطة به، وليس بحسب التشهي، كما هو معلوم.

قال ابن القيم رحمه الله تعالى:

"السياق يرشدُ إلى تبيين المجمل، وتعيين المحتمل، والقطع بعدم احتمال غير المراد، وتخصيص العام، وتقييد المطلق، وتنوع الدلالة، وهو من أعظم القرائن الدالَّة على مراد المتكلم، فمن أهمله غلط في نظره، وغالط في مناظرته. فانظر إلى قوله تعالى: (ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ)، كيف تجدُ سياقَه يدُلُّ على أنه الذليلُ الحقير " انتهى من "بدائع الفوائد" (4/1315).

وبناء على هذا؛ ففي آية النور:

(الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) النور/3.

حمل جمع من أهل العلم لفظ (يَنْكِحُ) هنا على: الجماع وحده دون زواج.

قال ابن كثير رحمه الله تعالى:

" هذا خبر من الله تعالى بأن الزاني لا يطأ إلا زانية أو مشركة. أي: لا يطاوعه على مراده من الزنى إلا زانية، عاصية، أو مشركة لا ترى حرمة ذلك، وكذلك: (وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ) أي: عاص بزناه، ( أَوْ مُشْرِكٌ ) لا يعتقد تحريمه.

قال سفيان الثوري، عن حبيب بن أبي عمرة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، رضي الله عنهما: (الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً) قال: ليس هذا بالنكاح، إنما هو الجماع، لا يزني بها إلا زان أو مشرك.

وهذا إسناد صحيح عنه، وقد روي عنه من غير وجه أيضا. وقد روي عن مجاهد، وعكرمة، وسعيد بن جبير، وعروة بن الزبير، والضحاك، ومكحول، ومقاتل بن حيان، وغير واحد، نحو ذلك " انتهى. "تفسير ابن كثير" (6/9).

وهذا القول يتأيّد بسياق الآية، حيث ورد فيها ما يقوي هذا التفسير، فهي وردت في سياق فاحشة الزنا لا الزواج، كما احتوى سياقها على قرينة تشير إلى أن المراد بالنكاح هنا هو الجماع.

قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله تعالى:

" العلماء اختلفوا في المراد بالنكاح في هذه الآية، فقال جماعة: المراد بالنكاح في هذه الآية: الوطء الذي هو نفس الزنى، وقالت جماعة أخرى من أهل العلم: إن المراد بالنكاح في هذه الآية هو عقد النكاح، قالوا: فلا يجوز لعفيف أن يتزوج زانية كعكسه.

وهذا القول الذي هو أن المراد بالنكاح في الآية التزويج لا الوطء، في نفس الآية قرينة تدل على عدم صحته، وتلك القرينة هي ذكر المشرك والمشركة في الآية؛ لأن الزاني المسلم لا يحل له نكاح مشركة، لقوله تعالى: (وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ)، وقوله تعالى: (لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ)، وقوله تعالى: (وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ)، وكذلك الزانية المسلمة لا يحل لها نكاح المشرك؛ لقوله تعالى: (وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا)، فنكاح المشركة والمشرك لا يحل بحال.

وذلك قرينة على أن المراد بالنكاح في الآية التي نحن بصددها الوطء الذي هو الزنى، لا عقد النكاح ; لعدم ملاءمة عقد النكاح لذكر المشرك والمشركة.

والقول بأن نكاح الزاني للمشركة، والزانية للمشرك منسوخ ظاهر السقوط؛ لأن سورة "النور" مدنية، ولا دليل على أن ذلك أحل بالمدينة ثم نسخ، والنسخ لا بد له من دليل يجب الرجوع إليه " انتهى من"أضواء البيان" (6 /80-81).

وأما آية سورة الأحزاب:

(وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ) الأحزاب/50.

فهي عن عقد الزواج قطعا؛ لأن سياق الكلام حوله، وليس حول الجماع، فكان مستهل الآية:

(يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ...) الأحزاب/50.

ثم وردت عبارة (وَهَبَتْ) والهبة: تمليك كما هو معلوم من كلام العرب، وهو: " أن تجعل ملكك لغيرك بغير عوض " انتهى. من "المفردات" (ص 884).

والتمليك لا يتوافق إلا مع الزواج الدائم المستمر.

كما أن هذا هو الموافق للعرف الغالب في استعمال الوحي للفظ "النكاح"؛ فلا يكاد يطلقه على غير الزواج، وما يتعلق به.

ومن ذلك ما ورد في الآية التي تسبق آية الأحزاب هذه، وهي قوله تعالى:

(يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا) الأحزاب/49.

فلفظ: (نَكَحْتُمُ) يراد به في هذه الآية: عقد الزواج، قطعا؛ لأنه لا يتصور نكاح ثم طلاق بعده من غير جماع، إلا بوجود عقد زواج.

قال ابن كثير رحمه الله تعالى:

" هذه الآية الكريمة فيها أحكام كثيرة. منها:

إطلاق النكاح على العقد وحده، وليس في القرآن آية أصرح في ذلك منها.

وقد اختلفوا في النكاح: هل هو حقيقة في العقد وحده، أو في الوطء، أو فيهما؟ على ثلاثة أقوال، واستعمال القرآن إنما هو في العقد والوطء بعده، إلا في هذه الآية، فإنه استعمل في العقد وحده؛ لقوله: ( إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ ) " انتهى من "تفسير ابن كثير" (6/439).

وكما في قوله تعالى، عن قصة موسى عليه السلام مع صاحب مدين:

(قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ) القصص/27.

فلفظ: ( أُنْكِحَكَ ) يراد به هنا الزواج قطعا؛ لما هو معلوم من زواج موسى عليه السلام بهذه البنت.

ويدل على هذا الآية اللاحقة، حيث قال الله تعالى:

(فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ) القصص/29.

وكما في قوله تعالى:

(وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ) النور /33.

فلفظ: (نِكَاحًا) يراد به قطعا الزواج. بقرينة الأمر بالاستعفاف أي الابتعاد عن الفاحشة لمن لم يجد سبيلا إلى النكاح.

قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله تعالى:

"هذا الاستعفاف المأمور به في هذه الآية الكريمة، هو المذكور في قوله: (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ)، وقوله تعالى: ( وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا )، ونحو ذلك من الآيات " انتهى من "أضواء البيان" (6/244).

وكقوله تعالى: (وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفًا وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ) البقرة /235.

فلفظ: (النِّكَاحِ) يراد به قطعا: الزواج. بقرينة ذكر خطبته وعقدته، وهما كما هو معلوم مختصان بالزواج.

فالحاصل؛ أن لفظ "النكاح" في نصوص الوحي لا يكاد يطلق إلا على معنى الزواج وعقده وتوابعه.

قال ابن الجوزي رحمه الله تعالى:

" وذكر بعض المفسّرين أن النّكاح في القرآن على خمسة أوجه:

أَحدهَا: العقد. ومنه قوله تعالى في "البقرة": ( وَلَا تنْكِحُوا المشركات حَتَّى يُؤمن )، وَفِي سُورَة النِّسَاء: ( فانكحوا مَا طَابَ لكم من النِّسَاء )، وفيهَا: ( فانكحوهن بِإِذن أهلهن )، وَفِي الْأَحْزَاب: ( إِذا نكحتم الْمُؤْمِنَات ثمَّ طلقتموهن من قبل أَن تمَسُّوهُنَّ ).

وَالثَّانِي: الْوَطْء. ومنه قوله تعالى فِي الْبَقَرَة: ( حَتَّى تنْكح زوجا غَيره ).

والثّالث: العقد والوطء. ومنه قوله تعالى في النّساء: ( وَلَا تنْكِحُوا مَا نكح آباؤكم من النِّسَاء إِلَّا مَا قد سلف ).

والرّابع: الحُلم. ومنه قوله تعالى في النّساء: ( وابتلوا الينامى حَتَّى إِذا بلغُوا النِّكَاح ).

والخامس: المهر. ومنه قوله تعالى في النّور: ( وليستعفف الَّذين لَا يَجدونَ نِكَاحا ).

وقد ألحق بعضهم وجها سادسا. فقال: والنّكاح: القبُول. ومنه قوله تعالى: ( وَامْرَأَة مُؤمنَة إِن وهبت نَفسهَا للنَّبِي إِن أَرَادَ النَّبِي أَن يستنكحها )" انتهى من "نزهة الأعين النواظر" (ص591- 592).

فالحاصل؛ أن لفظ (يَسْتَنْكِحَهَا) في سورة الأحزاب لا يمكن أن تحمل على غير الزواج؛ لأن هذا هو الموافق للسياق والقرائن، ولعادة الشرع وعرفه في إطلاق هذا اللفظ.

ثم لم يرد قط أن النبي صلى الله عليه وسلم نكح امرأة وهبت نفسها له، وللأهمية تحسن مطالعة جواب السؤال رقم: (254065).

ثانيا:

على المسلم أن يهجر ناشري الشبهات ولا يهتم بها، ويعرض عنها.

قال الله تعالى:

(هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ) آل عمران/7.

فعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: "تَلاَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذِهِ الآيَةَ: (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الكِتَابَ، مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الكِتَابِ، وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ) ...

قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (فَإِذَا رَأَيْتِ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ فَأُولَئِكِ الَّذِينَ سَمَّى اللَّهُ فَاحْذَرُوهُمْ) رواه البخاري (4547).

فعليه أن يهجر أصحاب هذه الشبهات، ومواقعهم، وكتاباتهم، ومحاضراتهم؛ لأن القلوب ضعيفة قد تفتن.

قال ابن مفلح رحمه الله تعالى:

"وذكر الشيخ موفق الدين رحمه الله في المنع من النظر في كتب المبتدعة، قال: كان السلف ينهون عن مجالسة أهل البدع والنظر في كتبهم والاستماع لكلامهم" انتهى من "الآداب الشرعية" (1/251).

وعلى المسلم أن يحرص على طلب العلم والتفقه، حتى يكون على بيّنة من أمر دينه، وأن يلتزم بحلقات ودروس أهل العلم.

ومن أوكد أسباب النجاة، أن يعظم الافتقار إلى الله  في صلاحه، ويكثر من الدعاء بالهداية.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:

" قد أمرنا الله تعالى أن نقول في صلاتنا: (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ) وهذا أفضل الأدعية وأوجبها على العباد.

ومن تحقق بهذا الدعاء جعله الله من أهل الهدى والرشاد؛ فإنه سميع الدعاء لا يخلف الميعاد " انتهى من "مجموع الفتاوى" (8/515).

ومن الأدعية في هذا الشأن الدعاء الذي روته عَائِشَةُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ، قَالَتْ: كَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ افْتَتَحَ صَلَاتَهُ: (اللهُمَّ! رَبَّ جَبْرَائِيلَ، وَمِيكَائِيلَ، وَإِسْرَافِيلَ، فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ، أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ، اهْدِنِي لِمَا اخْتُلِفَ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِكَ، إِنَّكَ تَهْدِي مَنْ تَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) رواه مسلم (770).

وينبغي أن تكون هذه الأدعية بحضور قلب.

عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (قُلِ: اللهُمَّ! اهْدِنِي وَسَدِّدْنِي، وَاذْكُرْ بِالْهُدَى هِدَايَتَكَ الطَّرِيقَ، وَالسَّدَادِ سَدَادَ السَّهْمِ) رواه مسلم (2725).

والله أعلم.