عنوان الفتوى : هل يضمن الوكيل ما ضحى به وتصدق من مال المريض بالزهايمر؟
أصيبت أمي بمرض الزهايمر ، وكانت وكلتني قبل إصابتها بالمرض في كل شؤونها المالية؛ لثقتها في أمانتي، وكذلك إخوتي الذين هم جميع الورثة؛ لأن أبي متوفى، وبعد مرضها بمرض الزهايمر اتفق إخوتي على أن أكون أنا المسؤول عن إدارة شؤونها، ثم اشتد عليها المرض، فاقترحت أن نتصدق بمالها -عسى الله أن يشفيها-، وقد وافق إخوتي على ذلك ورحبوا بذلك القرار، علمًا أن أمي كانت قبل مرضها كثيرة الصدقة، وكانت تضحي أيضًا، وبعد مرضها، وبعد موافقة إخوتي كنا نضحي من مالها، ثم علمت أنه لا يجوز الصدقة، أو الأضحية من مال المريض، فهل عليّ رد أموال الصدقة، والأضحية لمال المريض؛ باعتباري الولي على ذلك المال؟ وهل إخوتي يشتركون معي في الرد؛ لأني لم أكن أنفرد بالقرار، وكان يجب موافقتهم جميعًا في أي مبلغ يتم التصرف فيه، فنكون جميعًا شركاء في الولاية؟ وهل يسقط عنا رد الأموال لعدم علمنا بالحكم، وعلينا أخذ الحيطة فيما هو قادم؟ خصوصًا أن أمي ليست بحاجة لهذه الأموال، وعندها ما يكفيها وزيادة، وأيضًا الأموال التي تم صرفها في الصدقة، والأضحية منذ أن مرضت أمي كثيرة، وقد لا نستطيع أنا وإخوتي سدادها. أرجو الإفادة -بارك الله فيكم-.
الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه، ومن والاه، أما بعد:
فقد بينا في عدة فتاوى سابقة أن مريض الزهايمر يحجر عليه في التصرف في ماله، وأن الذي يتولى الحجر عليه هو القاضي، وأنه يعين أحدًا يتولى التصرف في أمواله، وإن لم يوجد القاضي، تولى ذلك أحد الأمناء من أولاده، وليس له أن يتصدق من ماله، وكل هذا وغيره بيناه في الفتوى رقم: 341047.
وكونك كنت وكيلًا عن والدتك قبل أن تصاب بالزهايمر، هذا لا يخولك التصرف في أموالها بعده؛ لأن الوكالة تبطل بالجنون، والخرف مثله في الحكم، جاء في الموسوعة الفقهية: طُرُوءُ الْجُنُونِ الْمُطْبِقِ عَلَى الْمُوَكِّل، أَوِ الْوَكِيل، يُبْطِل عَقْدَ الْوَكَالَةِ؛ لأِنَّ الْوَكَالَةَ عَقْدٌ جَائِزٌ (غَيْرُ لاَزِمٍ)، فَيَكُونُ لِبَقَائِهِ حُكْمُ الإْنْشَاءِ، وَالْوَكَالَةُ تَعْتَمِدُ الْعَقْل فِي الْمُوَكِّل وَالْوَكِيل، فَإِذَا انْتَفَى الْعَقْل، انْتَفَتْ صِحَّةُ الْوَكَالَةِ؛ لاِنْتِفَاءِ مَا تَعْتَمِدُ عَلَيْهِ، وَهُوَ أَهْلِيَّةُ التَّصَرُّفِ، وَهَذَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَالشَّافِعِيَّةِ، وَالْحَنَابِلَةِ ... وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ قَال الدُّسُوقِيُّ: لاَ يَنْعَزِل الْوَكِيل بِجُنُونِهِ، أَوْ جُنُونِ مُوَكِّلِهِ، إِلاَّ أَنْ يَطُول جُنُونُ الْمُوَكِّل جِدًّا، فَيَنْظُرُ لَهُ الْحَاكِمُ ... اهــ.
فليس لكم أن تتصدقوا من مال والدتكم، وما أنفقتموه في الأضحية عنها من دون وصاية، ولا وكالة صحيحة، فإنه يُضمن؛ لأنه تصرف في مالها غير مأذون فيه، فيضمنه من تصرف فيه.
وأما إن وقع من وصي، فإنه لا ضمان، فقد ذهب بعض الفقهاء إلى أنه يجوز للولي، والوصي التضحية عن الصبي، والمجنون من ماله، وأنه لا يضمن الولي، والوصي ذلك، جاء في الموسوعة الفقهية عن شروط الأضحية: (الشَّرْطَانِ الرَّابِعُ، وَالْخَامِسُ): الْبُلُوغُ، وَالْعَقْل، وَهَذَانِ الشَّرْطَانِ اشْتَرَطَهُمَا مُحَمَّدٌ، وَزُفَرُ، وَلَمْ يَشْتَرِطْهُمَا أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَبُو يُوسُفَ، فَعِنْدَهُمَا تَجِبُ التَّضْحِيَةُ فِي مَال الصَّبِيِّ، وَالْمَجْنُونِ، إِذَا كَانَا مُوسِرَيْنِ، فَلَوْ ضَحَّى الأْبُ، أَوِ الْوَصِيُّ عَنْهَما مِنْ مَالِهِمَا، لَمْ يَضْمَنْ فِي قَوْل أَبِي حَنِيفَةَ، وَأَبِي يُوسُفَ، وَيَضْمَنُ فِي قَوْل مُحَمَّدٍ، وَزُفَرَ. اهـ. وفي الفروع لابن مفلح عند حديثه عما لولي المحجور عليه فعله: وَالتَّضْحِيَةُ لَهُ، عَلَى الْأَصَحِّ، مَعَ كَثْرَةِ مَالِهِ، وَيَحْرُمُ صَدَقَتُهُ مِنْهَا ... اهــ.
وأما ما تصدقتم به من مالها تطوعًا، فإنه ليس للولي أن يتصدق من ماله -كما ذكرنا-، ويلزم ضمان المبلغ الذي تصدقتم به، جاء في الموسوعة الفقهية: إِنَّ مَا لاَ حَظَّ لِلْمَحْجُورِ فِيهِ، كَالْهِبَةِ بِغَيْرِ الْعِوَضِ، وَالْوَصِيَّةِ، وَالصَّدَقَةِ، وَالْعِتْقِ، وَالْمُحَابَاةِ فِي الْمُعَاوَضَةِ، لاَ يَمْلِكُهُ الْوَلِيُّ، وَيَلْزَمُهُ ضَمَانُ مَا تَبَرَّعَ بِهِ مِنْ هِبَةٍ، أَوْ صَدَقَةٍ، أَوْ عِتْقٍ، أَوْ حَابَى بِهِ، أَوْ مَا زَادَ فِي النَّفَقَةِ عَلَى الْمَعْرُوفِ، أَوْ دَفَعَهُ لِغَيْرِ أَمِينٍ؛ لأِنَّهُ إِزَالَةُ مِلْكِهِ مِنْ غَيْرِ عِوَضٍ، فَكَانَ ضَرَرًا مَحْضًا. اهـــ.
وكون المبلغ كبيرًا، هذا لا يسقط الضمان.
والضمان لازم للمتصدق، وليس لمن أذن له من بقية أولاد المرأة؛ لأن إذنهم لا عبرة به، ولم يباشروا التعدي.
والله تعالى أعلم.