عنوان الفتوى : هل تجب الجماعة في المسجد البعيد عن البيت

مدة قراءة السؤال : دقيقة واحدة

لي زوج ملتزم وهو يعلم أن أداء الصلاة واجبة في المسجد حال سماع الأذان ، وفي منطقتنا مسجد يبعد 10 دقائق تقريبا مشيا ، ولكن صوت الأذان لا يسمع أبدا حيث أن بيتنا يقع على شارع رئيسي ، كما أن في هذه البلد يخاف المسلمون من إظهار صوت الأذان عاليا خوفا من تضييق النصارى . وزوجي لا يذهب إلى الصلاة في المسجد إلا حال خروجه لعمل ما لأجل تلك الحجة - كما أن الإمام يصلي بطريقة مختلفة قليلا وهذا لا يعجبه - ، وهذا يضايقني جدا. لذا أرجوكم أن تعلموني بحكم عمله هذا لأني خائفة من إثمه .

مدة قراءة الإجابة : 8 دقائق

الحمد لله.

صلاة الجماعة في المساجد ، من أظهر شعائر الإسلام ، وهي واجبة على كل رجل بالغ قادر يسمع النداء ؛ لأدلة كثيرة منها قول النبي صلى الله عليه وسلم : " من سمع النداء فلم يأته فلا صلاة له إلا من عذر " رواه ابن ماجه (793) والدارقطني والحاكم وصححه ، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه .

وروى مسلم (653) عن أبي هريرة قال : أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل أعمى فقال يا رسول الله إنه ليس لي قائد يقودني إلى المسجد فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرخص له فيصلي في بيته فرخص له فلما ولى دعاه فقال هل تسمع النداء بالصلاة ؟ فقال نعم قال : فأجب". إلى غير ذلك من الأدلة .

والمقصود بسماع النداء : سماعه بالصوت المعتاد بدون مكبرٍ عند هدوء الأصوات وعدم وجود ما يمنع السمع . مع مراعاة أن المؤذنين في عهد النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يؤذنون على مكان مرتفع ، كسطح المسجد ونحوه ، وكانت أبنية المنازل قابلة لنفاذ الصوت وانتشاره ، مما يمكن وصول صوت المؤذن إلى مسافة ليست بالقصيرة .

وعلى هذا فإن بُعد 10 دقائق مشياً يمكن في العادة أن يصله الصوت بالأوصاف المذكورة آنفاً ، بل إنه يصل إلى ما هو أبعد من ذلك .

وعليه فيجب على زوجك أداء هذه الشعيرة في المسجد ما دام خالياً من الموانع الشرعية راجع السؤال رقم ( 20655 )

وكون الإنسان لا تجب عليه الجماعة لبعد ونحوه ، لا يعني أن تضعف همته فلا يطلب عاليَ الدرجات بحرصه ومثابرته على الجماعة، فكم في جماعة المسجد من خير يناله قاصدها، كقوله صلى الله عليه وسلم : " صلاة الجميع تزيد على صلاته في بيته وصلاته في سوقه خمسا وعشرين درجة فإن أحدكم إذا توضأ فأحسن وأتى المسجد لا يريد إلا الصلاة لم يخط خطوة إلا رفعه الله بها درجة وحط عنه خطيئة حتى يدخل المسجد وإذا دخل المسجد كان في صلاة ما كانت تحبسه وتصلي عليه الملائكة ما دام في مجلسه الذي يصلي فيه اللهم اغفر له اللهم ارحمه ما لم يحدث فيه " رواه البخاري (465) ومسلم (649) .

فمن منا لا يريد أن ترفع درجاته وأن تحط خطاياه وأن تستغفر له ملائكة الرحمن ؟!

فينبغي لزوجك أن يحرص على جماعة المسجد وأن يسعى في تكثير سواد المسلمين ، وأن يدرك أن ثبات المسلمين على دينهم وإحياءهم لشعائرهم من أهم عوامل بقائهم وصمودهم وانتصارهم على أعدائهم ، بل هذا الثبات لون من ألوان الدعوة المؤثرة في جذب قلوب الآخرين.

كما أن الأب ينبغي أن يكون قدوة صالحة أمام أهله وأولاده ، فكيف يعتاد أبناؤه عمارة المساجد وهم يرونه لا يخرج إليها إلا عند وجود حاجة دنيوية ؟ وقد أثنى الله على عمار المساجد بقوله : ( إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ ) التوبة / 18

وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن فضل صلاة الجماعة إنما هو لمن خرج إليها لم يخرج لغيرها ، وذلك قوله : " لا يريد إلا الصلاة " كما سبق في الحديث .

وينبغي أن ندرك أمرا مهما وهو أن جماعة من الفقهاء لا يرون وجوب صلاة الجماعة ، كما هو المذهب المشهور عند فقهاء الحنفية ، لكن ذلك لم يمنع آلاف المسلمين بل ملايين المسلمين المنتمين إلى هذا المذهب من شهود الجماعة والمحافظة عليها في أصعب الظروف وأحلكها ، في بلاد البلقان وتركيا وشرق أوربا وغيرها ، فليست القضية قضية وجوب وعدمه ، وإنما هو الإيمان القوي، يدفع الإنسان إلى التشبه بنبيه صلى الله عليه وسلم ، وبأصحابه الكرام ، ولا يرضى لصاحبه بغير الدرجات العليا في الجنة .

لقد كان الصحابي يؤتى به يتكئ على الرجلين من شدة مرضه ، حتى يقف في الصف ، وهو معذور لو تخلف عن الجماعة ، فما الذي حركه وقاده وساقه ؟ إنه الإيمان .

فصاحب الهمة لا يسأل عن الوجوب ، وإنما يبحث عن الشعيرة ، والهدي ، والسنة ، والمنهاج .

قال ابن مسعود رضي الله عنه : ( من سره أن يلقى الله غدا مسلما فليحافظ على هؤلاء الصلوات حيث ينادى بهن فإن الله شرع لنبيكم صلى الله عليه وسلم سنن الهدى وإنهن من سنن الهدى ولو أنكم صليتم في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلف في بيته لتركتم سنة نبيكم ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم وما من رجل يتطهر فيحسن الطهور ثم يعمد إلى مسجد من هذه المساجد إلا كتب الله له بكل خطوة يخطوها حسنة ويرفعه بها درجة ويحط عنه بها سيئة ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق ولقد كان الرجل يؤتي به يهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف) رواه مسلم (654) .

وما ذكرناه في مسألة سماع النداء هو ما أفتى به سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله ، حيث سئل عن رجل يسكن في بيت بعيد عن المسجد ويضطر لاستخدام السيارة للذهاب إلى الصلاة ، وإذا مشى على قدميه أحيانا تفوته الصلاة ، وأنه يسمع الأذان عبر مكبرات الصوت ، فهل عليه حرج إذا صلى في البيت أو مع ثلاثة أو أربعة من الجيران في منزل أحدهم .

فأجاب الشيخ رحمه الله :

( الواجب عليك أن تصلي مع إخوانك المسلمين في المسجد إذا كنت تسمع النداء في محلك بالصوت المعتاد بدون مكبر عند هدوء الأصوات وعدم وجود ما يمنع السماع .

فإن كنت بعيدا لا تسمع صوت النداء بغير مكبر جاز لك أن تصلي في بيتك أو مع بعض جيرانك ؛ لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال للأعمى لما استأذنه أن يصلي في بيته : "هل تسمع النداء بالصلاة ؟" قال : نعم . قال : "فأجب" . رواه الإمام مسلم في صحيحه .

ولقوله صلى الله عليه وسلم : "من سمع النداء فلم يأته فلا صلاة له إلا من عذر" خرجه ابن ماجه والدارقطني وابن حبان والحاكم بإسناد صحيح ، ومتى أجبت المؤذن ولو كنت بعيدا وتجشمت المشقة على قدميك أو في السيارة فهو خير لك وأفضل ، والله يكتب لك آثارك ذاهبا إلى المسجد وراجعا منه مع الإخلاص والنية ؛ لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لرجل كان بعيدا عن المسجد النبوي وكانت لا تفوته صلاة مع النبي صلى الله عليه وسلم ، فقيل له: لو اشتريت حمارا تركبه في الرمضاء وفي الليلة الظلماء ؟ فقال رضي الله عنه: ما أحب أن يكون بيتي بقرب المسجد إني أحب أن يكتب لي ممشاي إلى المسجد ورجوعي إلى أهلي، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الله قد جمع لك ذلك كله " خرجه الإمام مسلم في الصحيحه) انتهى من مجموع فتاوى الشيخ ابن باز 12/36

والله أعلم .