عنوان الفتوى : كيف يتعامل مع صاحبه الذي انحرف عن منهج أهل السنة والجماعة؟
كان لدي صديق مقرب، وكان على منهج أهل السنة، ولكنه اعتنق الفكر الأشعري، وأصبح يمدح في بعض المجالات الصوفية، بزعمه أنها ليست كلها سيئة، بالإضافة إلى أنه ينكر عذاب القبر، وللأسف هو لا يعرف كثيرا عما يعتقده، وخصوصا منهج الأشاعرة، فتارة يقول بقولهم، وتارة يقول بعكس مذهبهم أصلا، ودارت مناقشات بيني وبينه، حاولت فيها إقناعه، لكن عندما آتيه بالايات والأحاديث الكثيرة إما يلتف حول بعض معنى الأحاديث، أو عندما يكون الأمر جليا، يقول فقط: لا أعرف الرد، لكن الرد موجود في الكتب الأشعرية أو الصوفية، وأتيته بأقوال أهل العلم، لكنه يقول: دعنا لا نتكلم في هذا الموضوع؛ لأنك لا تعلم شيئا، وأنا كذلك؛ لكيلا نخطئ، حاولت جاهدا أن أكلمه كثيرا في هذه الأمور حتى يرجع، لكنه يرفض أن يتحدث معي، ويقول: اعتبر أن شيئا لم يحدث، ونظل أصدقاء، وكلنا مسلمين. وسؤالي: كيف أتعامل معه فأنا لم أعد أتقبله بعدما صار أشعريا، وبدأ يتجه إلى الاتجاه الصوفي، وأيضا طريقته سيئة في التعامل، وأنا لم أكن أصبر عليه إلا لأستطيع نصحه فيما يفعل من الخطأ، لكنه كان لا يقبل مني النصيحة، وإذا قلت له شيئا من الدين نفر مني، وهذا الأمر يزداد معي أنا فقط؛ لأني أكثر من ينصحه، ولأنه تعرف على أناس دلوه أكثر على مذهب الأشاعرة والصوفية، فلم أكن أريد تركه يسمع منهم فقط؟ وأيضا أسأل هل عندما أنقل الحوار الذي دار بيني وبينه لأحد آخر من أصدقائنا من باب الشكوى، أو التحذير، أو التذمر يعتبر غيبة؟ مع إنه لم يخبر إلا قلة من الناس عن هذا الأمر، إلا مرة واحدة كان تلميحا لتبرير البدعة من اجتزاء كلام العلماء، وكان الأمر عن المولد النبوي؟
الحمد لله.
أولا:
ينبغي أن تستمر في نصح صاحبك، وأن تدعوه لقراءة كتب السلف في أبواب الاعتقاد، كـ:
الإيمان لأبي عبيد القاسم بن سلام (ت 224 هـ)، و"الإيمان" لأبي بكر بن أبي شيبة (ت 235 هـ)، و"أصول السنة" للإمام أحمد (ت 241 هـ)، و"الرد على الزنادقة والجهمية"، له، و"خلق أفعال العباد"، للبخاري (ت 256 هـ)، و"كتاب التوحيد" من صحيحه، وشرح السنة لإسماعيل بن يحيى المزني (ت 264 هـ)، و"كتاب السنة" من سنن أبي داود (ت 275 هـ)، و"الرد على الجهمية" لعثمان بن سعيد الدارمي (ت 280 هـ)، و"النقض على بشر المريسي"، له، و"السنة" لحرب الكرماني (ت 280 هـ)، و"السنة" لأبي بكر بن أبي عاصم (ت 287 هـ)، و"السنة" لعبد الله بن أحمد بن حنبل (ت 290 هـ)، و"العرش" لأبي جعفر ابن أبي شيبة (ت 297 هـ)، و"صريح السنة" لأبي جعفر الطبري (ت 310 هـ)، و"السنة" لأبي بكر الخلال (ت 311 هـ)، و"التوحيد وإثبات صفات الرب عز وجل" لابن خزيمة (ت 311 هـ)، و"العقيدة الطحاوية" للطحاوي (ت 321 هـ)، و"شرح السنة" للبربهاري (ت 329 هـ)، و"الشريعة" للآجري (ت360هـ)، و"اعتقاد أئمة الحديث" لأبي بكر الإسماعيلي (ت 371 هـ)، و"الصفات" للدارقطني (ت 385 هـ)، و"التوحيد" لابن منده (ت 395 هـ)، و"الإيمان"، والرد على الجهمية، له، و"أصول السنة" لابن أبي زمنين (ت 399 هـ)، و"شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة"، لهبة الله اللالكائي (ت 418 هـ).
وقراءة بعض الدراسات النافعة في نقد الأشعرية والصوفية ومن ذلك:
- "موقف ابن تيمية من الأشاعرة"، للدكتور عبد الرحمن بن صالح المحمود.
- "عقيدة الأشاعرة دراسة نقدية لمنظومة جوهرة التوحيد" للدكتور حسان بن إبراهيم الرديعان.
- "هذه هي الصوفية"، للشيخ عبد الرحمن الوكيل.
- "تقديس الأشخاص في الفكر الصوفي"، للدكتور محمد أحمد لوح.
ثم العجب من حال صاحبك: أن يعتنق الأشعرية والصوفية، ثم هو ينكر عذاب القبر؟ فهل في الأشعرية أو الصوفية أحد ينكر عذاب القبر ؟! إن صاحبك ملبس عليه!!
ثانيا:
الأصل تحريم هجر المسلم فوق ثلاث، لكن هذا حيث يكون الهجر لحظ النفس ، أو حال الدنيا.
وأما الهجر لأجل الدين ، مثل هجر أهل البدع ، أو أهل الفسق والفجور : فهذا أمر ينظر فيه إلى المصلحة الشرعية ؛ فإن غلب على الظن حصول مصلحة شرعية من وراء هذا الهجر ، كأن يرتدع المبتدع عن بدعته ، أو ينفضّ الناس من حوله ، أو يقل عدد المغترين به ، أو يضعف انتشار بدعته ، أو نحو ذلك من المصالح الشرعية : فإن هجرَه حينئذ يكون مشروعا .
قال ولي الدين العراقي :
"هذا التحريم محله في هجرانٍ ينشأ عن غضب لأمر جائز لا تعلق له بالدين ، فأما الهجران لمصلحة دينية من معصية أو بدعة : فلا مانع منه ، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بهجران كعب بن مالك وهلال بن أمية ومرارة بن الربيع رضي الله عنهم ، قال ابن عبد البر : وفي حديث كعب هذا دليل على أنه جائز أن يهجر المرء أخاه إذا بدت له منه بدعة أو فاحشة يرجو أن يكون هجرانه تأديباً له وزجراً عنها ، وقال أبو العباس القرطبي : فأما الهجران لأجل المعاصي والبدعة فواجب استصحابه إلى أن يتوب من ذلك ولا يختلف في هذا ، وقال ابن عبد البر – أيضاً - : أجمع العلماء على أنه لا يجوز للمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث إلا أن يخاف من مكالمته وصلته ما يفسد عليه دينه أو يولد به على نفسه مضرة في دينه أو دنياه ، فإن كان كذلك رخص له في مجانبته ، ورب صرم جميل خير من مخالطة مؤذية" ..
"انتهى من "طرح التثريب" (8/99).
وينظر جواب السؤال رقم: (21878).
ومثل ذلك : إن خيف من صحبته أذى ، أو ضرر ، في دين ، أو دنيا.
قال ابن عبد البر رحمه الله :
" وأجمع العلماء على أنه لا يجوز للمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث إلا أن يكون يخاف من مكالمته وصلته ما يفسد عليه دينه ، أو يولد به على نفسه مضرة في دينه أو دنياه ، فإن كان ذلك فقد رخص له في مجانبته وبعده ، ورب صرم [أي : مقاطعة وهجر] جميل خير من مخالطة مؤذية .
قال الشاعر:
إذا ما تقضي الود إلا تكاشرا ... فهجر جميل للفريقين صالح " انتهى من "التمهيد" (6/127).
وينظر جواب السؤال رقم: (143596).
وأما مع أمن الأذى والضرر في مخالطته أو مصاحبته ، وعدم حصول المصلحة من وراء هجره ؛ فينبغي ألا تبدأه بهجر، لا سيما مع حرصه على الصحبة وحق الإسلام ، وعسى الله أن ينفعه بصحبتك، إن كنت صاحب علم ودين ينفع بهما .
ومما ينبغي أن يعلم : أن هجر المبتدع والعاصي ، في مثل ذلك ، مع أنه من مسائل الاجتهاد والنظر فيما يرجى من مصلحة الهجر ؛ فهو كذلك أمر يختلف باختلاف الزمان ، والمكان ، ونوع البدعة ، وقدرها في ميزان الشرع ، فليس الهجر في الأماكن التي تظهر فيها السنة ، ويكون لأهلها فيها شوكة وغلبة ، بحيث يرجى أن يرتدع المبتدع بمثل ذلك ، ويقطع أصل بدعته ، كأماكن الغربة ، وأزمانها ، واستضعاف أهل السنة ، وعدم مبالاة من هجر ، بهجر الهاجر ، بل ربما زاد بعضهم في بدعته ، ولج في أمره .
وينظر للفائدة: جواب السؤال رقم: (218771)، ورقم: (22872).
ثالثا:
يجوز أن تذكر حاله لمن تستعين به على الإنكار عليه ونصحه وتوجييه.
كما يجوز أن تذكر حاله للتحذير منه، إذا استمر على بدعته، وخفت على من يخالطه من خفاء أمره. مع صلاح القصد في ذلك كله، وسلامة النية، والله عند قلب كل قائل ولسانه.
وهذان مستثنيان من الغيبة المحرمة.
قال النووي رحمه الله في "شرح صحيح مسلم" (16/142): "تباح الغيبة لغرض شرعي وذلك لستة أسباب:
أحدها: التظلم فيجوز للمظلوم أن يتظلم إلى السلطان والقاضي وغيرهما ممن له ولاية أو قدرة على إنصافه من ظالمه فيقول: ظلمني فلان أو فعل بي كذا.
الثاني: الاستعانة على تغيير المنكر ورد العاصي إلى الصواب فيقول لمن يرجو قدرته: فلان يعمل كذا فازجره عنه ونحو ذلك.
الثالث: الاستفتاء بأن يقول للمفتي: ظلمني فلان أو أبي أو أخي أو زوجي بكذا فهل له ذلك وما طريقي في الخلاص منه ودفع ظلمه عني ونحو ذلك فهذا جائز للحاجة والأجود أن يقول في رجل أو زوج أو والد وولد كان من أمره كذا ومع ذلك فالتعيين جائز لحديث هند وقولها إن أبا سفيان رجل شحيح.
الرابع: تحذير المسلمين من الشر وذلك من وجوه منها: جرح المجروحين من الرواة والشهود والمصنفين وذلك جائز بالإجماع بل واجب صونا للشريعة. ومنها الإخبار بعيبه عند المشاورة في مواصلته" انتهى.
والله أعلم.