عنوان الفتوى : حق على الله عون الناكح الذي يريد العفاف
أنا شاب عمري 27 سنة، لقد من الله علي منذ خمس سنوات تقريبا بالهداية، وأحسست بقرب كبير من الله والأنس به، وحلاوة الإيمان. وأحيانا أخطئ، وسرعان ما أتوب. وكلما دعوت الله بدعوة، استجاب لي ولله الحمد، ورزقني الله بوظيفة مع عباد متقين، ولي الآن أكثر من سنة عمل. وفي الآونة الأخيرة أصبحت شهوتي عالية جدا، وحاولت بكل الطرق كبحها، واتبعت نصائح من عدة مواقع إسلامية، لكي تخف قليلا فقط. وفي تلك الفترة لم يكن لدي مال؛ لأني موظف جديد، ويطول الراتب الشهري، لكني استخرت الله في أمر الزواج، وارتاح قلبي وانشرح حتى إني في ليلة كنت أقرأ القرآن، فقرأت قوله تعالى:﴿ وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ. ( سورة الروم : 21)؛ فانشرح صدري كثيرا، وقلت في نفسي إنها رسالة من الله إلي، لأسعى للزواج، والله أعلم. وبدأت بالبحث عن زوجة صالحة، لكن لا أحب أن أطلب من أحد سنتيما ولو كان أخي، وأصبحت متحيرا لاختيار زوجة؛ لأني أبحث عن مواصفات الدين والأخلاق والجمال. وفي يوم ما ازدادت شهوتي لدرجة لا أستطيع وصفها، ولم أستطع مقاومتها؛ ففعلت العادة السرية. وفي الغد توضأت، وندمت وتبت إلى الله، لكن وجدت إحساسا بالبعد عن الله، وزالت عني حلاوة الإيمان، واكتأبت، وأصبحت أستثقل الطاعات، وأتتني أمراض، وأصبحت أشعر أني بعيد عن الدين، وفي جهنم -والعياذ بالله- وأن الله غاضب علي. ومرضت نفسيا، وقرأت آيات عن رحمة الله. شعرت أن الله لا يريد لي القنوط، وما زلت إلى الآن راغب بالزواج، لكن لدي مال قليل، وأقول في نفسي كيف أتزوج متدينة وإيماني ضعيف، ونفسيتي محبطة، وأتناول أدوية مهدئة، كما أن إخوتي يريدون مني تأجيل الزواج. أرشدوني.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل المولى تبارك وتعالى أن يثبت قلبك على الإيمان، وأن يزيدك هدى وتقى وصلاحا، ويعيذك من شياطين الإنس والجن، وأن يرزقك امرأة صالحة تسعد معها، ويرزقك تعالى منها ذرية طيبة، تقر بها عينك. ونوصيك بالالتجاء إلى الله عز وجل بالدعاء، ولا سيما ما تضمنه قوله تعالى: وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا {الفرقان:74}، وأحسن ظنك بالله، فما خاب من رجاه، فهو قد أمر عباده بالدعاء ووعدهم بالإجابة، فقال: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ {غافر:60}، وانظر لمزيد الفائدة، الفتوى رقم: 119608، ففيها بيان الدعاء وشروطه وأسباب إجابته.
والزواج من أفضل الحلول لما أنت فيه، وهو من أمور الخير التي ينبغي المبادرة إليها، فقد قال الله عز وجل: فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ {البقرة:148}. وجاءت السنة بالحث عليه، ففي الصحيحين عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا معشر الشباب؛ من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج. ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء.
وقد ذكر أهل العلم أن الزواج تعتريه الأحكام التكليفية، ومن ذلك أنه قد يكون واجبا في حق من يخاف على نفسه الفتنة، انظر الفتوى رقم: 3011.
فبادر للزواج، ولا تلتفت إلى قول من يحاول تثبيط عزيمتك، ويدعوك إلى التأجيل، فالعمر محدود والعوارض كثيرة، وإن لم يكن عندك كثير مال فقد تجد أسرة صالحة كريمة تزوجك من ابنتها بأقل التكاليف، هذا مع التنبه إلى أن الزواج من أسباب الغنى، قال تعالى: وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ {النور:32}، وروى الترمذي والنسائي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه سلم: ثلاثة حق على الله عونهم: المجاهد في سبيل الله، والمكاتب الذي يريد الأداء، والناكح الذي يريد العفاف.
وإن لم يتيسر لك الزواج، فاعمل بذلك التوجيه النبوي وهو الإقبال على الصوم، فبه تتحصل التقوى وتكسر الشهوة، هذا بالإضافة إلى الحرص على حضور مجالس العلم والخير وصحبة الصالحين، وملء الفراغ بما ينفع في المعاش والمعاد، ولمزيد الفائدة، راجع الفتاوى أرقام: 1208، 10800، 12928.
والعادة السرية محرمة ولها أضرارها، كما بينا في الفتوى رقم: 7170، ومن عادة البشر الخطأ والزلل، والمهم أن يتوب المسلم إلى ربه، وها أنت قد ندمت وتبت إلى الله عز وجل، والله سبحانه يتوب على من تاب، فهو القائل: وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى {طه:82}، وروى البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن العبد إذا اعترف ثم تاب، تاب الله عليه.
فكن على حذر من أن يوقعك الشيطان فيما هو أعظم من ذلك الذنب، وهو القنوط من رحمة الله سبحانه، فقد قال في محكم كتابه حكاية عن إبراهيم عليه السلام: قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ {الحجر:56}.
والله أعلم.