عنوان الفتوى : هل خلقت الملائكة من نور الذراعين والصدر؟
هل أثر عبدالله بن عمرو خلقت الملائكة من نور الذراعين والصدر يرفع إلى النبي، أو يؤخذ به؟
الحمد لله.
أولا:
الملائكة خلقت من نور
قد ثبت أن الله تعالى خلق الملائكة من نور، لكن من غير تحديد لصفة هذا النور وماهيته.
روى الإمام مسلم (2996) عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: خُلِقَتِ الْمَلَائِكَةُ مِنْ نُورٍ، وَخُلِقَ الْجَانُّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ، وَخُلِقَ آدَمُ مِمَّا وُصِفَ لَكُمْ.
ثانيا:
التعليق على رواية: خلق الله الملائكة من نور الذراعين والصدر
وأما ما رواه عبد الله ابن الإمام أحمد في "السنة" (1084) وغيره عن هِشَام بْن عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: خَلَقَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْمَلَائِكَةَ مِنْ نُورِ الذِّرَاعَيْنِ وَالصَّدْرِ .
فهذا الإسناد وإن كان رواته ثقات، إلا أنه موقوف على عبد الله بن عمرو وليس منسوبا إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
وكلام الصحابي إذا كان في موضوع لا مجال للرأي فيه، كأمور الغيب؛ فله حكم الرفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم، عند كثير من أهل العلم؛ إلا أنهم استثنوا من ذلك الصحابي الذي عرف باطلاعه على أخبار أهل الكتاب – اليهود والنصارى - وتحديثه بها، فإن كلامه بأمور الغيب لا يُحكم بنسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم لاحتمال أن يكون ما تحدث به مما أخذه من أهل الكتاب.
قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله تعالى:
" حاصل تحرير هذه المسألة: أن قول الصحابي الموقوف عليه له حالتان:
الأولى: أن يكون مما لا مجال للرأي فيه.
الثانية: أن يكون مما له فيه مجال.
فان كان مما لا مجال للرأي فيه، فهو في حكم المرفوع كما تقرر في علم الحديث، فيقدم على القياس، ويخص به النص، إن لم يعرف الصحابي بالأخذ من الإسرائيليات" انتهى من"مذكرة أصول الفقه" (ص256).
وقد وردت آثار تشير إلى أن عبد الله بن عمرو اطلع على كتب لأهل الكتاب، وكان يخبر بأشياء منها؛ وقد جزم بهذا الأمر عدد من الحفاظ، ومن ذلك قول الذهبي رحمه الله تعالى:
" وقد روى عبد الله أيضا عن: أبي بكر، وعمر، ومعاذ، وسراقة بن مالك، وأبيه عمرو، وعبد الرحمن بن عوف، وأبي الدرداء، وطائفة، وعن أهل الكتاب، وأدمن النظر في كتبهم، واعتنى بذلك " انتهى من"سير أعلام النبلاء" (3/81).
وإخباره رضي الله عنه بأخبار بني إسرائيل، راجع إلى أنه سمع من النبي صلى الله عليه وسلم الإذن بالتحديث عن بني اسرائيل.
لكن هذا الإذن بالتحديث لا يعني التصديق بأخبارهم.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : "كَانَ أَهْلُ الكِتَابِ يَقْرَءُونَ التَّوْرَاةَ بِالعِبْرَانِيَّةِ، وَيُفَسِّرُونَهَا بِالعَرَبِيَّةِ لِأَهْلِ الإِسْلاَمِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا تُصَدِّقُوا أَهْلَ الكِتَابِ وَلا تُكَذِّبُوهُمْ، وَقُولُوا: (آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا) الآيَةَ رواه البخاري(4485).
وعن ابْن أَبِي نَمْلَةَ الْأَنْصَارِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، قال : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا حَدَّثَكُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ فَلَا تُصَدِّقُوهُمْ، وَلَا تُكَذِّبُوهُمْ، وَقُولُوا: آمَنَّا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ، فَإِنْ كَانَ بَاطِلًا لَمْ تُصَدِّقُوهُ، وَإِنْ كَانَ حَقًّا لَمْ تُكَذِّبُوهُ رواه أبوداود (3644)، وصححه الألباني في "سلسلة الأحاديث الصحيحة" (6/712).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:
" ... ما يحكونه من أقاويل أهل الكتاب التي أباحها رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال: بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً، وَحَدِّثُوا عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلاَ حَرَجَ، وَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا، فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ ، رواه البخاري عن عبد الله بن عمرو؛ ولهذا كان عبد الله بن عمرو قد أصاب يوم اليرموك زاملتين من كتب أهل الكتاب، فكان يحدث منهما بما فهمه من هذا الحديث من الإذن في ذلك.
ولكن هذه الأحاديث الإسرائيلية تذكر للاستشهاد لا للاعتقاد، فإنها على ثلاثة أقسام:
أحدها: ما علمنا صحته مما بأيدينا مما يشهد له بالصدق فذاك صحيح.
والثاني: ما علمنا كذبه بما عندنا مما يخالفه.
والثالث: ما هو مسكوت عنه لا من هذا القبيل ولا من هذا القبيل، فلا نؤمن به ولا نكذبه وتجوز حكايته لما تقدم " انتهى من "مجموع الفتاوى"(13/366).
فرأى جمع من أهل العلم أن خبر عبد الله بن عمرو هذا عن خلق الملائكة مما يحتمل أنه أخذه عن أهل الكتاب، خاصة وأنه مما يتعلق بمسألة بدء الخلق التي تكثر فيها النقولات عنهم.
قال البيهقي رحمه الله تعالى معلقا هذا الخبر:
" فإن صح ذلك؛ فعبد الله بن عمرو قد كان ينظر في كتب الأوائل، فما لا يرفعه إلى النبي عليه السلام: يحتمل أن يكون مما رآه فيما وقع بيده من تلك الكتب ... " انتهى من"الأسماء والصفات" (2/179).
وقال الشيخ الألباني رحمه الله تعالى:
" وأما ما رواه عبد الله بن أحمد في " السنة " (ص151) عن عكرمة قال:
" خلقت الملائكة من نور العزة، وخلق إبليس من نار العزة ".
وعن عبد الله بن عمرو قال:
" خلق الله الملائكة من نور الذراعين والصدر ".
قلت: فهذا كله من الإسرائيليات التي لا يجوز الأخذ بها، لأنها لم ترد عن الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم " انتهى من"السلسلة الصحيحة" (1/820).
وكذا استنكره الشيخ عبد الرحمن البراك، في تعليقه على كتاب "إبطال التأويلات لأخبار الصفات" للقاضي أبي يعلى.
والله أعلم
أسئلة متعلقة أخري | ||
---|---|---|
لا يوجود محتوي حاليا مرتبط مع هذا المحتوي... |