عنوان الفتوى : من أتي عرافا وسأله ثم تاب هل تقبل صلاته؟

مدة قراءة السؤال : دقيقة واحدة

هل من أتي عرافا ولم يصدقه ثم تاب يغفر له ذنبه، وتسقط عنه عقوبة عدم قبول الصلاة أربعين يوما؟ أم يغفر له الذنب فقط، ولا تسقط عنه العقوبة؟

مدة قراءة الإجابة : 9 دقائق

الحمد لله.

أولا:

عقوبة إتيان العرافين

يحرم إتيان العرافين وسؤالهم، ومن سأل عرافا ولم يصدقه لم تقبل صلاته أربعين ليلة، فإن صدقه على دعوى علم الغيب كفر.

روى مسلم (2230) عَنْ صَفِيَّةَ: "عَنْ بَعْضِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ أَتَى عَرَّافًا، فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ؛ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلَاةٌ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً).

وروى أحمد (9779)، وأبو داود (3904)، والترمذي (135)، وابن ماجه (936) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ أَتَى حَائِضًا أَوْ امْرَأَةً فِي دُبُرِهَا أَوْ كَاهِنًا فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ ؛ فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) وصححه الألباني.

قال الشيخ صالح آل الشيخ، حفظه الله: " قوله: من أتى عرافا فسأله عن شيء لا تقبل له صلاة أربعين يوما هذا الحديث فيه جزاء الذي يأتي العراف ويسأله، فمن أتى عرافا فسأله عن شيء- ولو لم يصدقه- فإنه لا تقبل له صلاة أربعين يوما.

والمقصود من قوله: لم تقبل له صلاة أربعين يوما أنها تقع مجزئة لا يجب عليه قضاؤها، ولكن لا ثواب له فيها؛ لأن الذنب والإثم الذي اقترفه حين أتى العراف فسأله عن شيء، يقابل ثواب الصلاة أربعين يوما، فأسقط هذا هذا، ويدل ذلك على عظم ذنب الذي يأتي العراف فيسأله عن شيء ولو لم يصدقه.

وهذا عند أهل العلم على حالتين:

الحالة الأولى: من أتى العراف فسأله عن شيء رغبة في الاطلاع، أما من أتى العراف فسأله للإنكار عليه وحتى يتحقق أنه عراف فلا يدخل في ذلك؛ لأن الوسائل لها أحكام المقاصد.

الحالة الثانية: أن يأتي العراف أو الكاهن فيسأله عن شيء، فإذا أخبره الكاهن أو العراف صدقه بما يقول، فالحديث الأول الذي عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فيه أنه. لم تقبل له صلاة أربعين يوما ، والحديث الثاني فيه أنه. كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم فيتضح بالحديث أن الحالة الثانية- وهي من أتى العراف أو الكاهن فسأله عن شيء فصدقه- أنه يكفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم، وأنه لا تقبل له صلاة أربعين يوما.

وهذه الحالة تدل على أن الذي أتى الكاهن أو العراف فصدقه، أنه لم يخرج عن الملة؛ لأنه حد -عليه الصلاة والسلام- عدم قبول صلاته بأربعين يوما، والذي أتى الكاهن إذا حكم عليه بأنه كافر كفرا أكبر ومرتد وخارج من الملة فإن صلاته لا تقبل بتاتا حتى يرجع إلى الإسلام، وقد قال طائفة من أهل العلم. دل قوله: فصدقه لم تقبل له صلاة أربعين يوما على أن قوله: كفر بما أنزل على محمد أنه كفر أصغر وليس بالكفر المخرج من الملة، وهذا القول هو القول الأول، وهو الصحيح، وهو الذي يتعين جمعا بين النصوص، فإن قول النبي -عليه الصلاة والسلام-. من أتى عرافا فسأله عن شيء فصدقه لم تقبل له صلاة أربعين يوما يدل على أنه لم يخرج من الإسلام، والحديث الآخر وهو قوله: من أتى كاهنا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد : يدل على كفره، فعلمنا بذلك أن كفره كفر أصغر، وليس كفرا مخرجا من الملة، هذا أحد الأقوال في مسألة كفر من أتى الكاهن فصدقه بما يقول.

والقول الثاني. أنه يتوقف فيه، فلا يقال يكفر كفرا أكبر، ولا يقال أصغر، وإنما يقال: إتيان الكهان وتصديقهم كفر بالله- جل وعلا-، ويسكت عن ذلك، ويطلق القول كما جاء في الأحاديث، وهذا لأجل التهديد والتخويف حتى لا يتجاسر الناس على هذا الأمر، وهذا هو مذهب الإمام أحمد في المنصوص عنه.

والقول الثالث من أقوال أهل العلم: أن الذي يصدق الكاهن كافر كفرا أكبر مخرج من الملة.

وهذا القول فيه نظر من جهتين:

الجهة الأولى: ما ذكرنا من الدليل من أن قوله -عليه الصلاة والسلام-. لم تقبل له صلاة أربعين يوما : يدل على أنه لم يكفر الكفر الأكبر، ولو كان كفر الكفر الأكبر لم يحد عدم قبول صلاته بتلك المدة من الأيام.

والجهة الثانية: أن تصديق الكاهن فيه شبهة، وادعاء علم الغيب أو تصديق أحد ممن يدعي علم الغيب كفر بالله- جل وعلا- كفرا أكبر، لكن هذا الكاهن الذي ادعى علم الغيب يخبر بالأمور المغيبة فيما صدق فيه عن طريق استراق الجن للسمع، فيكون إذا هو نقل ذلك الخبر عن الجني، والجن نقلوه عما سمعوه في السماء، وهذه شبهة. فقد يأتي الآتي إلى الكاهن ويقول: أنا أصدقه فيما أخبر من الغيب؛ لأنه قد جاءه علم ذلك الغيب من السماء عن طريق الجن، وهذه الشبهة تمنع من تكفير من صدق الكاهن الكفر الأكبر.

فالقول الأظهر: أن كفره كفر أصغر وليس بأكبر؛ لدلالة الأحاديث؛ ولظهور التعليل في ذلك. "انتهى من "شرح كتاب التوحيد" (321-323).

ثانيا:

المقصود بعدم قبول صلاة من أتى كاهنا أو عرافاً

المراد بعدم قبول الصلاة : أنه لا يثاب عليها، لكنها تصح منه فلا يلزم بإعادتها.

هذا هو المشهور.

قال النووي رحمه الله في شرح مسلم:

" وأما عدم قبول صلاته : فمعناه أنه لا ثواب له فيها ، وإن كانت مجزئة في سقوط الفرض عنه ، ولا يحتاج معها إلى إعادة.

ونظير هذا: الصلاة في الأرض المغصوبة مجزئة مسقطة للقضاء، ولكن لاثواب فيها. كذا قاله جمهور أصحابنا. قالوا: فصلاة الفرض وغيرها من الواجبات، إذا أتي بها على وجهها الكامل، ترتب عليها شيئان: سقوط الفرض عنه، وحصول الثواب. فإذا أداها في أرض مغصوبة، حصل الأول دون الثاني.

ولا بد من هذا التأويل في هذا الحديث؛ فإن العلماء متفقون على أنه لايلزم من أتى العراف إعادة صلوات أربعين ليلة، فوجب تأويله . والله أعلم" انتهى.

وذهب بعض أهل العلم إلى أن الحديث على ظاهره وأن صلاته لا تجزئه.

قال الشيخ محمد بن علي بن آدم الأثيوبي في "البحر المحيط الثجاج" (36/452) بعد نقل كلام النووي:

" القول بإجزاء تلك الصلاة محلّ نظر، فأين الدليل على ذلك؟ بل الظاهر أنها غير مجزئة، وماذا يفعل النوويّ ومن يرى رأيه بحديث: "لا يقبل الله صلاة من أحدث حتى يتوضّأ" متّفقٌ عليه؟ ، فهل إذا صلى تجزؤه؟ هيهات، وكذا حديث: "لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار"؟ حديث صحيح رواه أبو داود، فهل لو صلّت المرأة بغير خمار يُجزئها؟

هيهات، وهل بين هذه النصوص فرق؟ هيهات، فتأمل بالإنصاف، ولا تكن أسير التقليد، والله تعالى أعلم" انتهى.

وهذا القول الثاني: هو الذي صححه أبو الوفاء ابن عقيل الحنبلي. وجمع من الأصوليين.

ينظر: "المسودة في أصول الفقه" لآل تيمية(168-169) وحاشية المحقق.

هل تسقط عقوبة إتيان الكاهن والعراف إذا تاب الإنسان؟ 

وعلى القولين، فهذا الوعيد هو في حق غير التائب، وأما من تاب فالذي يظهر، والله أعلم: أن التوبة تسقط عنه العقوبة، كما جاء في نظيره في شرب الخمر، وهو ما رواه ابن ماجه (3377) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ وَسَكِرَ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلاةٌ أَرْبَعِينَ صَبَاحًا وَإِنْ مَاتَ دَخَلَ النَّارَ ، فَإِنْ تَابَ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ، وَإِنْ عَادَ فَشَرِبَ فَسَكِرَ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلاةٌ أَرْبَعِينَ صَبَاحًا ، فَإِنْ مَاتَ دَخَلَ النَّارَ ، فَإِنْ تَابَ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ، وَإِنْ عَادَ فَشَرِبَ فَسَكِرَ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلاةٌ أَرْبَعِينَ صَبَاحًا ، فَإِنْ مَاتَ دَخَلَ النَّارَ ، فَإِنْ تَابَ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ ، وَإِنْ عَادَ كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يَسْقِيَهُ مِنْ رَدَغَةِ الْخَبَالِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ . قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، وَمَا رَدَغَةُ الْخَبَالِ ؟ قَالَ : عُصَارَةُ أَهْلِ النَّارِ) وصححه الألباني في "صحيح ابن ماجه".

ولقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (التائب من الذنب كمن لا ذنب له) رواه ابن ماجه (4250) وحسنه الألباني في "صحيح ابن ماجه".

والله أعلم.

أسئلة متعلقة أخري
لا يوجود محتوي حاليا مرتبط مع هذا المحتوي...