عنوان الفتوى : حكم تأجير محل بالبضاعة مقابل أجرة شهرية، وحكم ما إذا باع فيه المستأجر محرمًا
توجد بقالة بين ثلاثة شركاء، مشتركين في رأس المال، تم الاتفاق بينهم على أن يتم إيجار هذا البقالة نظير مبلغ معين يقسم عليهم كل شهر، على أن يتم إدارة هذا المكان لشخص واحد فقط مقابل الربح، على أن يكون المختص بهذا المكان له الإدارة الكاملة لهذا المكان مقابل دفع الإيجار المتفق عليه، وهذ الرجل يبيع سجائر في هذ الكشك، علمًا أن رأس المال المتفق عليه خاص بالبقالة فقط خارج حساب السجائر، فنرجو من سيادتكم الإفادة -جزاكم الله خيرًا-.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فالذي فهمناه من السؤال أن هؤلاء الأشخاص الثلاثة يمتلكون هذه البقالة، وقاموا بتأجيرها بما فيها من بضاعة لشخص يديرها، ويستحق أرباحها، نظير أجرة شهرية معلومة، ثم إن هذا الشخص قام بجلب السجائر لبيعها مع البضاعة في هذه البقالة، فيسأل الأخ السائل عن حِلِّ هذه الأجرة الشهرية؟
فإن كان الأمر كذلك، فأصل العقد يحتاج إلى تصحيح؛ فإن التعاقد على المحل بما فيه من بضاعة، لا يصح إجارةً، كما بيناه في الفتاوى التالية: 26837، 109612، 49051. وجاء في الموسوعة الفقهية: يشترط لانعقاد الإجارة على المنفعة شروط هي: أولًا: أن تقع الإجارة عليها، لا على استهلاك العين. وهذا لا خلاف فيه، غير أن ابن رشد روى أن هناك من جوّزها في كل منهما؛ لأن ذلك كله منفعة مباحة ... اهـ.
وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة: هذا العقد لا يجوز؛ لأنه عقد إجارة، تضمن تأجير أعيان تستهلك، والأعيان المستهلكة لا يجوز تأجيرها، إضافة إلى ما يؤدي إليه من الغرر والجهالة؛ ولأنه في حكم القرض المشروط فيه المنفعة، وكل قرض جر نفعًا، فهو ممنوع. اهـ.
كما أنه لا يصح التعاقد المذكور على أنه قراض، أو مضاربة؛ لأن المضاربة عند جمهور أهل العلم لا تكون إلا بالنقد -الدراهم، والدنانير، وما يقوم مقامهما-، فلا تصح بالعروض -كالبضائع مثلًا-، جاء في الموسوعة الفقهية: اتفق الفقهاء - في الجملة - على اشتراط كون رأس مال المضاربة من الدراهم، والدنانير، واستدل بعضهم عليه بالإجماع، كما نقله الجويني من الشافعية، أو بإجماع الصحابة، كما قال غيره منهم. وللفقهاء فيما يتخرج على هذا الشرط من محترزات وصور ومسائل، خلاف وتفصيل:
أ - المضاربة بالعروض: ذهب الحنفية، والمالكية، والشافعية، وهو ظاهر المذهب عند الحنابلة إلى أنه لا تصح المضاربة بالعروض، مثلية كانت، أو متقومة ... اهـ.
كما لا تصح المضاربة على مبلغ مقطوع لرب المال، أو للمضارب، بل يكون لكل منهما نسبة مشاعة من الربح، قال ابن المنذر في (الإشراف على مذاهب العلماء): أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على إبطال القراض الذي يشترط أحدهما - أو كلاهما - لنفسه دراهم معلومة. وممن حفظنا ذلك عنه: مالك، والأوزاعي، والشافعي، وأبو ثور، وأصحاب الرأي. اهـ.
وسئلت اللجنة أيضًا عن صاحب بقالة فيها الخضار، والفواكه، والمعلبات .. ونحو ذلك مما يباع في البقالات، وقد حصر ما فيها من هذه المواد، ثم سلمها لشخص يعمل فيها، وعليه أن يبيع ويشتري لها ما ينقصها، وأن يدفع له كل شهر مبلغًا من المال لصاحبها، فهل هذه من إجارة (الصبرة) للمزارع، ونحوها، أم ماذا؟
فأجابت: إذا كان الواقع ما ذكر، حرمت تلك الاتفاقية؛ لما فيها من الغرر العظيم، وطريق الجواز أن يجعل صاحب البقالة للعامل فيها أجرًا يوميًّا، أو شهريًّا معلومًا، أو جزءًا مشاعًا من الربح معلوًما. اهـ.
والمقصود أنه لا يصح تأجير البقالة بما فيها من بضاعة، كما لا تصح المضاربة بها، ولا سيما إن كانت على مبلغ مقطوع.
فإن كان مراد أصحاب البقالة الحصول على مبلغ ثابت شهريًّا، فيمكنهم بيع البضاعة أولًا، سواء للمستأجر أو غيره، ثم تأجير البقالة كمحل على حدته.
وأما السؤال عن الأجرة الشهرية للبقالة إذا باع المستأجر سجائر، أو غيرها من المنكرات.
فجوابه: أنه لا حرج على أصحاب البقالة في الأجرة الشهرية التي تدفع لهم؛ لأن الإجارة وقعت في الأساس على منفعة مباحة، ثم قام المستأجر ببيع الدخان بعد ذلك، فعليهم نصحه، ونهيه عن هذا المنكر، وليس لهم فسخ العقد بما فعله المستأجر، ولا إثم عليهم من فعله، وأما الأجرة فهي مستحقة لهم، جاء في كتاب لسان الحكام لابن الشِّحْنَة: لو أظهر المستأجر في الدار الشر، والفتنة؛ كشرب الخمر، وأكل الربا، والزنى، واللواطة، وإيذاء الجيران: يؤمر بالمعروف، وليس للمؤاجر، ولا لجيرانه أن يخرجوه من الدار بذلك، ولا يصير عذرًا في فسخ الإجارة، ولا خلاف فيه للأئمة الأربعة. اهـ.
وقال السرخسي في المبسوط: لا بأس أن يؤاجر المسلم دارًا من الذميّ ليسكنها، فإن شرب فيها الخمر، أو عبد فيها الصليب، أو دخل فيها الخنزير، لم يلحق المسلم إثم في شيء من ذلك؛ لأنه لم يؤاجرها لذلك، والمعصية في فعل المستأجر، وفعله دون قصد رب الدار، فلا إثم على رب الدار في ذلك. اهـ.
وجاء في الاستشارات الشرعية لمجموعة دلة البركة السؤال التالي (رقم الفتوى: 22): نرجو إفتاءنا في حكم تأجير محل لغرض حلال، ثم يخلطه المستأجر بالغرض الحرام؟
الجواب: في الإجارة يعتبر القصد الأساسي من النشاط المستخدم له محل الإجارة، وهو هنا التجارة بالسلع المباحة، وعليه؛ تكون الإجارة للمحل جائزة، وتكون المسؤولية في إضافة المبيعات المحرمة على صاحبها، مع السعي لاتخاذ الوسائل والاشتراطات التي تؤمن بها هذا في المستقبل عندما تتوافر المقدرة لإملاء هذه الشروط، وهذا يختلف عن إيجار محل ليستخدم على وجه الخصوص لبيع الخمر، أو لحم الخنزير، بالرغم من وضعهما الخاص بالنسبة للنصارى، لكن يمتنع من ذلك مراعاة لحكمهما في حقنا بصفتنا مسلمين، وهذا غير حالة التبعية المشار إليها. اهـ.
ولكن عليهم ألا يجددوا له عقد الإجارة بعد انتهاء مدته، إلا أن يشترطوا عليه عدم بيع الدخان في محلهم، قال الشيخ ابن عثيمين في تعليقاته على كتاب الكافي لابن قدامة: لو استأجر دكانًا ليكون بقالة، ومن مواد البقالة الدخان، فهل يجوز أو لا؟
الجواب: إن شرط عليه ألا يدخل فيه الدخان جاز، وإلا فلا؛ لأن هذا العقد جمع في صفقة واحدة بين ما يجوز التأجير عليه وما لا يجوز. اهـ.
والله أعلم.