عنوان الفتوى : حكم الصدقة الجارية عن جميع أموات المسلمين

مدة قراءة السؤال : دقيقة واحدة

هل تجوز الصدقة الجارية على الغريب الميت، مثلا أقول سأبني مسجدا، ويكون صدقه جارية عن جميع المسلمين الأموات، الذي أعرفه أنه يجب التحديد على الشخص، يعني هذا المسجد صدقه جارية لفلان ابن فلان؟

مدة قراءة الإجابة : 7 دقائق

الحمد لله.

أولا:

يجوز للإنسان أن يتصدق أو يهب ثواب الصدقة أو الصدقة الجارية للقريب والبعيد.

قال ابن قدامة رحمه الله: " وَأَيُّ قُرْبَةٍ فَعَلَهَا، وَجَعَلَ ثَوَابَهَا لِلْمَيِّتِ الْمُسْلِمِ، نَفَعَهُ ذَلِكَ، إنْ شَاءَ اللَّهُ" انتهى من "المغني"(2/226).

وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " يجوز للإنسان أن يتعبد لله عز وجل بطاعة بنية أنها لميت من أموات المسلمين، سواء كان هذا الميت من أقاربه أم ممن ليس من أقاربه" انتهى من " فتاوى نور على الدرب ".

ثانيا:

لا حرج في جعل ثواب الصدقة لعموم أموات المسلمين؛ فإن وصول ثواب الصدقة للميت مجمع عليه.

قال ابن القيم رحمه الله: "الْمَسْأَلَة السَّادِسَة عشرَة: وَهِي هَل تنْتَفع أَرْوَاح الْمَوْتَى بِشَيْء من سعى الْأَحْيَاء أم لَا؟

فَالْجَوَاب أَنَّهَا تنْتَفع من سعى الْأَحْيَاء بأمرين مجمع عَلَيْهِمَا بَين أهل السّنة من الْفُقَهَاء وَأهل الحَدِيث وَالتَّفْسِير:

أَحدهمَا: مَا تسبب إِلَيْهِ الْمَيِّت فِي حَيَاته.

وَالثَّانِي: دُعَاء الْمُسلمين لَهُ واستغفارهم لَهُ وَالصَّدَقَة وَالْحج، على نزاع: مَا الَّذِي يصل من ثَوَابه؛ هَل ثَوَاب الْإِنْفَاق أَو ثَوَاب الْعَمَل؟ فَعِنْدَ الْجُمْهُور يصل ثَوَاب الْعَمَل نَفسه، وَعند بعض الْحَنَفِيَّة إِنَّمَا يصل ثَوَاب الْإِنْفَاق.

وَاخْتلفُوا فِي الْعِبَادَة الْبَدَنِيَّة، كَالصَّوْمِ وَالصَّلَاة وَقِرَاءَة الْقُرْآن..." انتهى من "الروح" ص117

وقد سئل الشيخ ابن باز رحمه الله: " أريد أن أتصدق على والدي بعد وفاتهما بأي صدقة كانت كبناء مسجد أو معهد ديني لتعليم القرآن الكريم، أو ما شابه ذلك من الصدقات، فهل يجوز إشراكهما في مشروع واحد، أو لا بد لكل منهما من مشروع منفرد؟

فأجاب: لا مانع من إشراكهما في مشروع واحد، وأنت معهم أيضا، أنت أيها المتصدق معهم تجعل نفسك معهم، أو من شئت من أقاربك، الحمد لله، الأمر واسع، فضل الله واسع، فلا مانع أن يكون المشروع لأبيك أو أمك أو لهما جميعا، أو لك معهما أيضا، كله طيب" انتهى من "فتاوى نور على الدرب" (14/ 302).

ولا يشترط تعيين من يجعل الصدقة عنه كما في السؤال؛ بل إذا صحت الصدقة عن معين من المسلمين، صحت عن غيره، ولا دليل على تقييدها .

وفي مسند الإمام أحمد (23639) عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ، قَالَ: "اخْتَلَفَتْ سُيُوفُ الْمُسْلِمِينَ عَلَى الْيَمَانِ أَبِي حُذَيْفَةَ يَوْمَ أُحُدٍ وَلَا يَعْرِفُونَهُ فَقَتَلُوهُ ، فَأَرَادَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَدِيَهُ، فَتَصَدَّقَ حُذَيْفَةُ بِدِيَتِهِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ " قال محققو المسند (39/47): "إسناده حسن" .

وينظر: حاشية تحقيق "المطالب العالية" (9/179-181).

وسئل الشيخ ابن باز، رحمه الله: " ماذا يعمل من ينفق على روح الميت بأضحية وما أشبه ذلك مثل العشاء بذبح شاة أو بقرة؟ وما حكم ذلك لغير الميت؟ وما يقتضي عمله لغير الميت؟ وهل يصح تكرار الأضحية للعيد الكبير كل سنة؟ وكم مرة تكرر في العمر؟ " .

فأجاب:

" ليس لهذا حد، فله أن يضحي عن الميت، وله أن يضحي عن الحي من أهل بيته، كأن يذبح ضحية عنه وعن والديه الأحياء وعن أهل بيته من زوجة وأولاد، وله أن يضحي عن الميت من أبيه أو أمه أو خالته أو خاله أو نحو ذلك، وليس لذلك حد، إذا ضحى كل سنة فهذا حسن، والضحية سنة كل سنة، النبي كان يضحي كل سنة عليه الصلاة والسلام ضحيتين: إحداهما عنه وعن أهل بيته، والثانية عمن وحد الله من أمته عليه الصلاة والسلام.

وإذا تصدق غير الأضحية، ذبح في رمضان أو في غيره ناقة أو بقرة أو شاة أو عدد أكثر: نوى بذلك الصدقة عن نفسه أو عن والديه الحيين أو الميتين أو عن غيرهم صدقة يطلب بها ثواب الله ويتصدق بها عن الفقراء والمساكين كل ذلك نافع، كل ذلك فيه أجر كثير، يقول النبي ﷺ: الصدق تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار والله يقول سبحانه: وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ [البقرة:280]، ويقول جل وعلا: الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ [البقرة:274].

فالصدقة بالمال، بالنقود والذبائح والملابس والأطعمة : كلها طيبة إذا قصد بها وجه الله والتقرب إلى الله عز وجل، عن الأحياء والأموات،  في رمضان وفي غيره، وهكذا الضحية في أيام الضحية في يوم عيد النحر وأيام التشريق هذه الضحايا مشروعة للمسلمين، يضحي عن نفسه وأهل بيته، وعمن شاء من إخوانه وأحبابه. نعم." انتهى من موقع الشيخ ابن باز

وينظر للفائدة: جواب السؤال رقم:(219751). 

وجواز الصدقة عن المسلمين، إما معينا، وإما عن جميعهم، والرخصة في ذلك، والأفضل من ذلك كله : شيء آخر. والذي يظهر أن الأفضل أن يجعل المرء صدقته عن نفسه، فهذا هو الأصل في العبادات، وهو إليها أحوج، وهو الهدي العام، أو الغالب على السلف . ثم يشرك المسلمين، عامتهم وخاصتهم، في دعائه واستغفاره، وصلته، وإحسانه.

وينظر للفائدة: جواب  سؤال: (الصدقة عن الميت تصح من القريب والبعيد). 

وبعض العلماء يرى أن الأفضل أن ينوي بها نفسه، وغيره من المسلمين، فينفع إخوانه، ولا ينقص من أجره شيء .

قال ابن عابدين رحمه الله: " وفي التتارخانية عن المحيط: الأفضل لمن يتصدق نفلا أن ينوي لجميع المؤمنين والمؤمنات؛ لأنها تصل إليهم ولا ينقص من أجره شيء " انتهى من "حاشية ابن عابدين" (2/ 357).

 والله أعلم.