عنوان الفتوى : إبدال القاف همزة في بعض اللهجات
في بعض اللهجات تُنْطق القاف همزة، فمثلاً تنطق كلمة ورقة: ورئة، فعند نطق اسم عبد الرزاق (مثلًا) بالهمز سيكون عبد الرزاء، فهل يأثم من يتكلم بالأصل بتلك اللهجة في حالة نطق الاسم بالطريقة المذكورة؟ خصوصًا أن مثل هذا الأمر لا يقصد منه نسب عبودية شخص لغير الله، ولا يقصد امتهان الاسم، وإنما الأمر عفويّ.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فمن يتكلم بهذه اللهجة في نطقه الدارج لا يُميِّز بين الألفاظ الشرعية، كأسماء الله الحسنى، وغيرها من الألفاظ، وبالطبع فهو لا يقصد امتهانًا، ولا إساءة، ولا تحريفًا، ولا إلحادًا في أسماء الله تعالى، فالحكم عليه بالإثم، وعلى طريقة نطقه بالحرمة: أمر بعيد!
ومع ذلك فالأولى - بلا ريب - أن يتحرى النطق الفصيح لأسماء الله تعالى، ونحوها من الألفاظ الشرعية المحترمة.
وهنا ننبه على أن تطور نطق الناس لحروف الهجاء ظاهرة منتشرة ومعروفة من قديم، وهذا يشبه من بعض الوجوه ظاهرة الإبدال في الحروف العربية، قال الصاحبي في فقه اللغة العربية ومسائلها، وسنن العرب في كلامها: ومن سنن العرب إبدالُ الحروف، وإقامة بعضها مقام بعض. اهـ. وذكر لذلك أمثلة.
ومن جملة ذلك: إبدال القاف همزة، قال ابن السكيت في إصلاح المنطق (ص:84): أبو زيد: يقال: القوم زُهَاقُ مائة وزِهَاق مائة، وهم زُهَاء مائة، في معنى واحد. اهـ. وقال أيضًا (ص:285): يقال: لطخ فلان فلانًا بشرٍّ، وأَشَبَهُ بشر، يَأْشِبُهُ أشبًا، وقشبه يقشبه قشبًا. اهـ.
وقد وضعت المؤلفات في هذا الباب من علوم اللغة، ومنها: كتاب الإبدال لأبي الطيب اللغوي الحلبي (ت:351 هـ)، قال فيه (ص:562،561): ﻳﻘـﺎل: أَﺷَﺒَﻪُ ﻳَﺄﺷِﺒُﻪُ أَﺷْﺒَﺎ، وﻗﺸﺒﻪ ﻳﻘﺸبه ﻗﺸﺒﺎ: إذا ﻻﻣﻪ وﻋﺎﺑﻪ .. وأﺻﻞ اﻷﺷﺐ واﻟﻘﺸﺐ اﻟخلط، وكل ما أُشب أو قُشب فقد خلط ... أبو عمرو: الأفز بالزاي: الوثبة بالعجلة، والقفز: الوثب .. ويقال: القوم زُهاق مائة وزِهاق مائة: أي قريب من ذلك في التقدير، كقولهم: زُهاء مائة وزِهاء مائة ... اهـ.
وقد عرض الدكتور رمضان عبد التواب أمثلة أخرى لإبدال القاف همزة، في بحثه: (القاف والهمزة في اللهجات العربية). وتجده على هذا الرابط:
http://www.voiceofarabic.net/ar/articles/2563
وللمزيد من الأمثلة والفائدة عن استعمال العرب للهمزة مكان القاف يمكن الرجوع لباب إبدال القاف همزة، من رسالة الماجستير للدكتور سلمان السحيمي: (إبدال الحروف في اللهجات العربية). ومما جاء فيها: يضاف إلى ذلك ما ورد بثلاث لهجات، هي القاف، والهمزة، والجيم، ولعل هذه النصوص بعد إضافة استعمال هذه اللهجة، وهي إبدال القاف همزة في اللهجات الحديثة تثبت استعمال العرب لهذا الإبدال. وإذا نظرنا في تاريخ تحول القاف إلى همزة نجد أنه قد حدث في اللغة الفينيقية ... اهـ.
وهذا ما وقع بكثرة في بعض اللهجات العامية التي أشار إليها السائل، قال الدكتور شوقي ضيف في كتابه: (تحريفات العامية للفصحى في القواعد والبنيات والحروف والحركات): أبدلت القاهرة القاف في كلمات العربية همزة في عصر المماليك؛ مَيْلًا منها إلى التخفيف، وتبعها مع مر الزمن الوجه البحري، أما الصعيد، فأبدلها غالبًا جيمًا. اهـ.
ونظير ذلك إبدال القاف جيمًا أو كافًا معقودة في بعض اللهجات، وقد سبق في الفتوى رقم: 234106 الإشارة إلى أن نطق القاف بالكاف المعقودة، لغة، لا تجوز في القرآن؛ لأنه لم يقرأ بها أحد من القراء، وأما النطق في الكلام العادي من غير القرآن، فلا حرج فيه.
وفي الفتوى رقم: 325393 مثال آخر للإبدال.
والمقصود أن هذه الظاهرة اللسانية المعروفة لا يحكم بإثم الناطق بها، وإنما يؤمر بتحري الفصحى في نطق الألفاظ الشرعية المحترمة.
والله أعلم.