عنوان الفتوى : اشترت سيارة من البنك وتبين أن المعاملة ربوية فهل يلزمها الفسخ؟
اشتريت سيارة عن طريق البنك، وسألت عن موضوع تملك البنك للسيارة، قال لي الموظف: إن البنك يتعاقد رسميا مع أحد المعارض، ويقوم بتحويل الفلوس مباشره للمعرض دون الرجوع لي، وإنه سيتم تسليمي السيارة بعيد عن المعرض من أحد موظفي البنك، حتى تكون السيارة دخلت في حيازة البنك، ولكني وقعت على ورقة إذن تحويل الفلوس من حساب البنك إلى حساب المعرض، ولم أعلم بهذا إلا يوم التسليم، وكان تم التعاقد بيني وبين البنك على سيارة قبل هذه، وبدأت في الإجراءات، ولكن اكتشفت أن بها عيبا قبل الاستلام، فاخترت سيارة بثمن أعلى، وقال لي البنك: إنه سيتم دفع الزيادة بعد ٣ شهور، لأنه تم التعاقد على سعر السيارة القديمة، ولن يدفع الفرق إلا بعد هذه المدة، وسيتم زيادة القسط بعدهاـ فهل هذا جائز أن البنك يقسط جزءا، وبعدها سيقسطه لي ولا لا، أنا تفاجأت بهذا الكلام يوم التسليم، وإذا كان علي إثم، فكيف أكفر عنه؟
الحمد لله.
أولا:
شراء السيارة عن طريق البنك له صورتان :
الأولى أن يكون دور البنك هو مجرد التمويل ، فيدفع المال للعميل أو نيابة عنه ، على أن يسترده مقسطا بزيادة ، وهذا قرض ربوي محرم .
الثانية : أن يشتري البنك السيارة ، وينقلها إليه ، ثم يبيعها على العميل ، وهذا جائز بشروط:
1- ألا يشترط البنك غرامة في حال التأخر عن سداد الأقساط ؛ لأن اشتراط هذه الغرامة من الربا المحرم ، سواء أخذ البنك الغرامة لنفسه أو وزعها على الفقراء ، وينظر: سؤال رقم:(89978).
2- ألا يوقع العميل على عقد شراء قبل تملك البنك للسيارة .
3- ألا يشترط البنك دفع مبلغ مقدم قبل تملكه للسيارة ؛ لأن العربون - عند من يقول بجوازه وهم الحنابلة - لا يصح قبل العقد .
4 - أن يكون العقد مفيدا انتقال ملكية السيارة إلى المشتري بمجرد العقد، ولا مانع من النص على أنها مرهونة لصالح البائع أو أنه يحظر على المشتري التصرف فيها قبل سداد الأقساط.
وأما تعليق انتقال الملكية على سداد الأقساط، فشرط باطل مناف لمقتضى العقد، ولا يجوز التزامه.
جاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي بشأن البيع بالتقسيط: " لا حق للبائع في الاحتفاظ بملكية المبيع بعد البيع، ولكن يجوز للبائع أن يشترط على المشتري رهن المبيع عنده لضمان حقه في استيفاء الأقساط المؤجلة " انتهى من "مجلة المجمع" (ع 6 ج 1 ص 193).
5 - أن يخلو العقد من اشتراط التأمين الشامل على السيارة إذا كان التأمين في البلد تجاريا؛ لأنه إلزام بالدخول في عقد محرم مشتمل على الربا والميسر. وينظر: جواب السؤال رقم:(36955)، ورقم:(205100).
ثانيا:
الظاهر من سؤالك أن البنك لا يشتري السيارة ثم يبيعها لك، وإنما هو ممول (مقرض).
ولم تذكري أنه أجرى معك البيع بعد تملكه السيارة، وأيضا فإن الأمر يتضح لو نظرت في العقد، فإن العقد الصحيح يجب أن يكون البائع فيه لك هو البنك، وليس المعرض، ففي الصور الشرعية لابد من عقدين مرتبين:
1-عقد بين المعرض والبنك، يكون فيه البنك مشتريا لنفسه.
2-عقد بين البنك والعميل، يكون البنك بائعا.
ثالثا:
ومما يؤكد أن المعاملة قرض ربوي أنه عند إلغائك لشراء السيارة الأولى؛ كان على البنك أن يفسخ البيع معك- لو كانت المعاملة بيعا-، ثم يجري معك بيعا جديدا على السيارة الأخيرة بثمنها الجديد، بعد أن يشتريها، وهذا لم يحصل؛ لأن المعاملة قرض، والقرض كما هو، وغاية الأمر أنه سيزيد القرض بعد ثلاثة أشهر، وسيزيد القسط المتضمن لفائدة القرض.
رابعا:
إن استطعت فسخ هذا العقد الربوي فافعلي، ولو كنت ستخسرين جزءا من المال، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بفسخ البيع المشتمل على الربا.
وقد روى أبو داود (3351) عَنْ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ، قَالَ: أُتِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ خَيْبَرَ بِقِلَادَةٍ فِيهَا ذَهَبٌ وَخَرَزٌ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ، وَابْنُ مَنِيعٍ فِيهَا خَرَزٌ مُعَلَّقَةٌ بِذَهَبٍ ابْتَاعَهَا رَجُلٌ بِتِسْعَةِ دَنَانِيرَ أَوْ بِسَبْعَةِ دَنَانِيرَ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا حَتَّى تُمَيِّزَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ، فَقَالَ: إِنَّمَا أَرَدْتُ الْحِجَارَةَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا حَتَّى تُمَيِّزَ بَيْنَهُمَا، قَالَ: فَرَدَّهُ حَتَّى مُيِّزَ بَيْنَهُمَا.
وقَالَ ابْنُ عِيسَى: أَرَدْتُ التِّجَارَةَ، قَالَ أَبُو دَاوُدَ: " وَكَانَ فِي كِتَابِهِ: الْحِجَارَةُ، فَغَيَّرَهُ، فَقَالَ: التِّجَارَةُ " والحديث صححه الألباني.
ورواه الطحاوي في شرح مشكل الآثار (6099) وفيه: " فَرَدَّ ذَلِكَ الْبَيْعَ".
قال ابن المنذر: " وقد أجمع عوام علماء الأمصار منهم مالك بن أنس ومن تبعه من أهل المدينة، وسفيان الثوري ومن وافقه من أهل العراق، والأوزاعي ومن قال بقوله من أهل الشام، والليث بن سعد، ومن وافقه من أهل العلم والشافعي، وأصحابه وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور والنعمان، ويعقوب، ومحمد: على أنه لا يجوز بيع ذهب بذهب ولا فضة بفضة، ولا بر ببر، ولا شعير بشعير، ولا تمر بتمر، ولا ملح بملح متفاضلاً يداً بيد، ولا نسيئة، وأن من فعل ذلك فقد أربى، والبيع مفسوخ " انتهى من "الإشراف على مذاهب العلماء لابن المنذر" (6/ 56).
فإن تعذر فسخ المعاملة مع البنك، فنرجو ألا يكون عليك حرج في المضي فيها، لا سيما مع جهلك بالحال كما ذكرت.
والله أعلم.