عنوان الفتوى : قراءة بعض سورة السجدة والإنسان في فجر الجمعة مراعاة لحال المأمومين
أصلي في مسجد صغير، رواده من كبار السن، ولا يطيقون الإطالة، فهل يجوز أن أصلي فجر الجمعة بجزء من سورة السجدة، وجزء من سورة الإنسان؛ مراعاة لحالهم؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه، ومن والاه، أما بعد:
فنقول ابتداء: لا شك أن مراعاة حال المصلين أمر مشروع، وأنه لا ينبغي للإمام أن يطيل عليهم، إذا علم أن فيهم الضعيف، الذي لا يقوى على الإطالة؛ ككبار السن، والمرضى، حتى وإن كانت الصلاة مما يشرع فيها التطويل في الأصل؛ كصلاة الصبح، فإنه يقصر في تلك الحال، قال الشيخ أحمد الدردير في الشرح الكبير على مختصر خليل في الفقه المالكي عند قول المؤلف: وتطويل قراءة بصبح، والظهر تليها: وَهَذَا فِي غَيْرِ الْإِمَامِ، وَأَمَّا هُوَ فَيَنْبَغِي لَهُ التَّقْصِيرُ، إلَّا أَنْ يَكُونَ إمَامًا بِجَمَاعَةٍ مُعَيَّنَةٍ، وَطَلَبُوا مِنْهُ التَّطْوِيلَ.
وقال الدسوقي معلقًا هنا: قَوْلُهُ: وَطَلَبُوا مِنْهُ التَّطْوِيلَ، أَيْ: وَعَلِمَ إطَاقَتَهُمْ لَهُ، وَعَلِمَ أَوْ ظَنَّ أَنَّهُ لَا عُذْرَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمْ، فَهَذِهِ قُيُودٌ أَرْبَعَةٌ فِي اسْتِحْبَابِ التَّطْوِيلِ لِلْإِمَامِ. اهـ.
وأما قراءة بعض سورة السجدة في الركعة الأولى، وبعض سورة الإنسان في الركعة الثانية في صلاة فجر الجمعة بدل من قراءة كامل السورتين، فقد ذكر بعض أهل العلم أن هذا خلاف السنة، قال الشربيني الشافعي في مغني المحتاج: فَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى بَعْضِهِمَا، أَوْ قَرَأَ غَيْرَهُمَا، خَالَفَ السُّنَّةَ ... اهـ.
وقال ابن القيم في زاد المعاد: وَكَانَ يُصَلِّيهَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ بِ (الم تَنْزِيلُ السَّجْدَةِ)، وَسُورَةِ: {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ} [الإنسان:1] كَامِلَتَيْنِ، وَلَمْ يَفْعَلْ مَا يَفْعَلُهُ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ الْيَوْمَ مِنْ قِرَاءَةِ بَعْضِ هَذِهِ وَبَعْضِ هَذِهِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ، وَقِرَاءَةِ السَّجْدَةِ وَحْدَهَا فِي الرَّكْعَتَيْنِ، وَهُوَ خِلَافُ السُّنَّةِ. اهـ.
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله تعالى-: ومن الجهل أن بعض الأئمة يقرأ قبل آية السجدة آيتين أو ثلاثًا، وبعدها آيتين أو ثلاثة، ويقول: الحمد لله السجدة وحصلناها. هذا جهل عظيم، بعضهم يقرأ بعض السورة: إما من أوسطها، أو أولها، أو آخرها، وهذا غلط عظيم أيضًا؛ لأنه إذا فعل هذا كأنما يعترض على السنة، وأن الأولى والأجدر أن يقرأ للناس بهذا، دون أن تقرأ السورة كاملة، ومنهم من يرى أنه الحاذق فيتحذلق، ويقرأ نصف سورة السجدة، ونصف سورة الإنسان! كل هذا من الجهل، ونحن نقول لهؤلاء: إما أن تأتوا بالسنة على وجهها، وإما أن تقرؤوا ما تيسر من القرآن من وجه آخر، وأما أن تجعلوا السنة عضين، تعملون ببعض دون البعض، فهذا لا تقرون عليه... اهـ.
والله تعالى أعلم.