عنوان الفتوى : أحكام وأحوال من أخذ ذهب زوجته ليبيعه
مهر زوجتي من الذهب، وهو معد للزينة، ونادرا ما تلبسه. ولسنين مضت كانت تعرض علي أن آخذه لأبيعه كلما شعرت، أو علمت بحاجتي للمال، وأنا أرفض. وقبل أقل من سنتين، قبلت أن آخذ الذهب لأبيعه؛ لاستكمال بناء البيت. وقبل أن أبيعه، وقبل أن أعرف قيمته (والتي أعتقد أنها أعلى من النصاب) طلبت من قريب لي أن أستدين منه مبلغا من المال -وأعتقد أن المبلغ مقارب لقيمة الذهب- في محاولة مني لعدم بيع الذهب لرمزيته لدى زوجتي، ولأنه فعليا ليس مالي. ومقابل الدين عرضت رهن الذهب، وبالفعل أقرضني المال، ورفض بشدة رهن الذهب لديه، لكنني كنت أشد إصرارا على بقائه لديه لحين سداد الدين، وتشجيعاً على سرعة السداد. وسؤالي: 1- هل أصبح الذهب بذلك عروض تجارة، تجب الزكاة فيها، أو هل تجب الزكاة فيه لأي سبب كان؟ 2- وإذا كانت الزكاة تجب فيه. هل أعتبر قيمة الذهب هي قيمة الدين، وأخرج ربع العشر من المبلغ الذي استدنته، أم علي تقييم الذهب بدقة سواء كان أكبر من قيمة الدين أو أقل؟ 3- وهل تجب الزكاة فيه، مرة واحدة من لحظة استحداث نية البيع، واعتبار شرط الحول بأثر رجعي -بما أننا نملكه منذ أكثر من عام- أم نبدأ بحساب الحول من لحظة رهنه، ونخرج الزكاة كلما حال عليه الحول؟ أفيدوني جزاكم الله عني خير الجزاء.
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فأخذك للذهب من زوجتك ابتداءً، لا يخلو من أحد أمور ثلاثة:
أولها: أن تكون استلمته منها لا على أنه قرض، ولا على أنه هبة لك، وإنما توكيلا منها لك في بيعه، ثم تستقرض ثمنه بعد بيعه. وفي هذه الحال ما دمت لم تبع الذهب، فإنه لا يزال على ملك زوجتك، وما دامت قد نوت بيعه وصرفت النية عن لبسه، فإنه -على ما يظهر لنا- يرجع للأصل، وهو وجوب الزكاة.
قال ابن قدامة في المغني: وَإِذَا كَانَ الْحُلِيُّ لِلُّبْسِ، فَنَوَتْ بِهِ الْمَرْأَةُ التِّجَارَةَ، انْعَقَدَ عَلَيْهِ حَوْلُ الزَّكَاةِ مِنْ حِينِ نَوَتْ؛ لِأَنَّ الْوُجُوبَ هُوَ الْأَصْلُ، وَإِنَّمَا انْصَرَفَ عَنْهُ لِعَارِضِ الِاسْتِعْمَالِ، فَعَادَ إلَى الْأَصْلِ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ مِنْ غَيْرِ اسْتِعْمَالٍ، فَهُوَ كَمَا لَوْ نَوَى بِعَرضِ التِّجَارَةِ الْقُنْيَةَ، انْصَرَفَ إلَيْهِ مِنْ غَيْرِ اسْتِعْمَالٍ. اهـ.
وتزكي زوجتك الذهب ولو لم يتم بيعه فعلا، إذا كان بالغا النصاب بنفسه، أو بما انضم إليه من نقود أخرى عندها.
وإذا لم تخرج الزكاة عن تلك السنين، فإنها تخرجها الآن، ولا تسقط بالتقادم.
الحالة الثانية: أن تكون أنت قد استلمت منها الذهب، على أنه هبة منها لك.
الحالة الثالثة: أن تكون قد استلمت الذهب على أنه بعينه قرض، تطالبك برده مستقبلا.
وفي هاتين الحالتين يكون الذهب قد صار ملكا لك، إما بالهبة، أو بالقرض؛ لأن القرض يُملكُ بقبضه، كما قال الفقهاء: وَيَمْلِكُ الْقَرْضَ بِقَبْضِهِ.
وإذا صار ملكا لك، فتلزمك أنت زكاته إذا بلغ نصابا بنفسه، أو بما انضم إليه من نقود أخرى عندك، أو ذهب آخر أو فضة، وتخرج منه ربع العشر.
وأما بداية حوله: فهذا الذهب يعتبر مالا متجددا، ليس ناتجا عن مال سابق، فيبدأ حوله من تاريخ دخوله في ملكك، بالهبة أو القرض، فتزكيه عند حولان الحول، لكن إن كان عندك مال آخر يبلغ النصاب، ويحول حوله قبل حول الذهب، فإنه يجوز لك أن تضم الذهب إلى ذلك المال، وتزكي الجميع عند تمام حول المال الأول، ولك أن تنتظر تمام حول الذهب، اعتباراً بتاريخ دخوله في ملكك كما ذكرت، ولا يشترط حينئذ أن يكون الذهب بالغا نصاباً بنفسه؛ لأنه تابع في كمال النصاب للمال الأول، ما دام من جنسه. وانظر المزيد في الفتوى رقم: 134239 عن زكاة المال المستفاد أثناء الحول.
وإذا كانت زكاة الذهب واجبة عليك لكونك المالك له، فيمكنك أن تخصم قدر الدين الذي في ذمتك من ذلك المال، إن كنت لا تملك مالا آخر زائدا عن حاجتك، يمكن جعله في مقابلة الدين، وإن كنت تملك مالا آخر زائدا عن حاجتك، يمكن جعله في مقابلة الدين، فلا تخصم قدر الدين.
ولا يؤثر كون الذهب مرهونا؛ لأن الرهن لا يمنع الزكاة عند الجمهور، ومنهم الشافعية والحنابلة، وذهب الأحناف إلى عدم وجوب الزكاة في المال المرهون؛ لعدم تمام الملك، والقول الأول هو الراجح، لأنه مال من ماله لم تنتقل ملكيته عنه، وراجع الفتوى رقم: 138672.
والله تعالى أعلم.