عنوان الفتوى : يريد أن يخرج فدية ترك الصوم عن والده المتوفى فيعطيها نقودا لأخته
أبي رحمه الله تعالى توفي عام 2001 بشهر رمضان، وكان مريضا، وكنت أخرج عنه الصدقة كلما تيسر لي، ولكن هذه المرة فكرت إنه لم يكن يصوم لمرضه على الأغلب، وارتأيت أن أخرج عنه فدية صيام شهر رمضان نقدا، فهل يمكنني تقسيم المبلغ على نصفين، نصف أدفعه لشخص محتاج، والنصف الآخر أدفعه لأختي، وهي تحتاج الذهاب إلى الطبيبة، وأريد أن أدفع لها ثمن الكشف مباشرة، ولكن بعد رمضان، فهل يجوز ذلك؟
الحمد لله.
أولا:
من كان مريضا مرضا لا يرجى برؤه: فإنه يفطر، ويطعم عن كل يوم مسكينا، فإن مات ولم يُطعم أخذ ذلك من تركته- وهو من الديون التي تقدم على الإرث- ، فإن تبرع أحد الورثة أو غيرهم بالإطعام عنه، فلا بأس.
وأما إن كان مريضا مرضا يرجى برؤه، فلا يصح منه الإطعام في حياته، وإنما يلزمه القضاء، فإن مات قبل أن يتمكن من القضاء لاتصال الموت بالمرض، فلا شيء عليه، لا صيام ولا غيره.
وإن مات بعد أن شفي، وتمكن من القضاء ولم يفعل، فالواجب أن يطعم عنه لكل يوم مسكين، ولوليه أن يصوم عنه.
قال ابن قدامة رحمه الله : "وجملة ذلك أن من مات وعليه صيام من رمضان , لم يخل من حالين :
أحدهما , أن يموت قبل إمكان الصيام , إما لضيق الوقت , أو لعذر من مرض أو سفر , أو عجز عن الصوم , فهذا لا شيء عليه في قول أكثر أهل العلم...
الحال الثاني: أن يموت بعد إمكان القضاء , فالواجب أن يطعم عنه لكل يوم مسكين . وهذا قول أكثر أهل العلم . روي ذلك عن عائشة , وابن عباس . وبه قال مالك , والليث , والأوزاعي , والثوري , والشافعي , والحسن بن حي , وابن علية , وأبو عبيد , في الصحيح عنهم .
وقال أبو ثور : يصام عنه . وهو قول الشافعي ; لما روت عائشة , أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من مات وعليه صيام , صام عنه وليه " . متفق عليه . وروي عن ابن عباس نحوه" انتهى من "المغني" (3/ 39).
وقال النووي رحمه الله : "من مات وعليه قضاء رمضان أو بعضه، فله حالان :
أحدهما: أن يكون معذورا في تفويت الأداء ودام عذره إلى الموت، كمن اتصل مرضه أو سفره أو إغماؤه أو حيضها أو نفاسها أو حملها أو إرضاعها ونحو ذلك بالموت: لم يجب شيء على ورثته , ولا في تركته لا صيام ولا إطعام , وهذا لا خلاف فيه عندنا ...
الحال الثاني: أن يتمكن من قضائه، سواء فاته بعذر أم بغيره , ولا يقضيه حتى يموت , ففيه قولان مشهوران : أشهرهما وأصحهما عند المصنف والجمهور وهو المنصوص في الجديد: أنه يجب في تركته لكل يوم مد من طعام , ولا يصح صيام وليه عنه ...
والثاني: وهو القديم، وهو الصحيح عند جماعة من محققي أصحابنا، وهو المختار: أنه يجوز لوليه أن يصوم عنه , ويصح ذلك، ويجزئه عن الإطعام، وتبرأ به ذمة الميت، ولكن لا يلزم الولي الصوم , بل هو إلى خيرته".
قال: "وهذا القديم هو الصحيح عند جماعة من محققي أصحابنا الجامعين بين الفقه والحديث , واستدلوا له بالأحاديث الصحيحة منها : حديث عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم " من مات وعليه صيام صام عنه وليه" رواه البخاري ومسلم .
وعن ابن عباس قال : " جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله , إن أمي ماتت وعليها صوم شهر أفأقضيه عنها ؟ فقال : لو كان على أمك دين أكنت قاضيه عنها ؟ قال : نعم , قال : فدين الله أحق أن يقضى " رواه البخاري ومسلم .
وعن ابن عباس أيضا قال : "جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله , إن أمي ماتت وعليها صوم نذر , أفأصوم عنها ؟ قال : أفرأيت لو كان على أمك دين فقضيتيه أكان يؤدي ذلك عنها ؟ قالت : نعم , قال : فصومي عن أمك " رواه مسلم ورواه البخاري أيضا تعليقا بمعناه .
وعن بريدة قال : بينما أنا جالس عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ أتته امرأة فقالت : يا رسول الله إني تصدقت على أمي بجارية، وإنها ماتت فقال : وجب أجرك وردها عليك الميراث قالت : يا رسول الله، إنه كان عليها صوم شهر أفأصوم عنها ؟ قال : صومي عنها ، قالت : إنها لم تحج قط أفأحج عنها ؟ قال : حجي عنها رواه مسلم" انتهى من "المجموع" (6/ 414).
ثانيا:
في حال الإطعام، فإنه يعطى عن كل يوم كيلو ونصف كيلو من الأرز، فيلزم عن الشهر 45 كيلو من الأرز ونحوه، يعطى لمسكين واحد أو عدة مساكين، ويجوز أن يعطى للمساكين طعام مطبوخ، وجبة عن كل يوم.
وأما إخراج ذلك نقودا فلا يصح عند جمهور العلماء من المالكية والشافعية والحنابلة.
فلا يصح أن تعطي أختك أو غيرها نقودا عن كفارة عدم الصوم.
وينظر: جواب السؤال رقم:(93243).
ثالثا:
إذا كنت ستخرج الكفارة من مالك وليس من التركة، فلك أن تعطي الطعام لأختك إذا كانت محتاجة، وكنت لا ترثها في حال موتها لوجود ابن ذكر لها.
وأما إن كنت ترثها، فلا يجوز أن تعطيها من كفارة تدفعها من مالك عن نفسك أو عن غيرك، لأن نفقتها تجب عليك إذا كنت قادرا.
وينظر: جواب السؤال رقم: (66138).
والله أعلم.