عنوان الفتوى : تعمد اللحن في القراءة بين الكفر وعدمه
في الفتوى رقم: 93675 قلتم : قال النووي في المجموع: إذا لحن في الفاتحة لحنا يخل المعنى بأن ضم تاء أنعمت أو كسرها، أو كسر كاف إياك نعبد، أو قال: إياء بهمزتين لم تصح قراءته وصلاته إن تعمد، وتجب إعادة القراءة إن لم يتعمد، وإن لم يخل المعنى كفتح دال نعبد ونون نستعين وصاد صراط ونحو ذلك لم تبطل صلاته ولا قراءته، ولكنه مكروه ويحرم تعمده. ولو تعمده لم تبطل قراءته ولا صلاته. هذا هو الصحيح، وبه قطع الجمهور. انتهى وسؤالي هنا عن قوله يحرم تعمده ( أي كفتح دال نعبد ونون نستعين وصاد صراط ) ولو تعمده لم تبطل قراءته ولا صلاته؟ كيف تصح صلاته وهو يحرف القرآن عامدا؟ أليس من حرف القرآن يكفر؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يناط الكفر بمجرد تعمد اللحن الذي لا يحيل المعنى، بل حتى الذي يحيل المعنى لا يناط الكفر بمجرده، عند الشافعية وغيرهم، بل يناط ذلك بالاستهزاء أو العناد، أو باستحلال اللحن، أو باعتقاد معناه. قال الماوردي في الحاوي الكبير: والضرب الثاني: أن يحيل المعنى بلحنه، كقوله (أنعمت عليهم) بضم التاء، ولا الظالين، بالظاء وتشديد اللام، بمعنى الإقامة على الشيء، لا من الضلال. إلى ما أشبه ذلك من اللحن المحيل للمعنى. فهذا على ضربين، أحدهما: أن يكون قاصدا لإحالة المعنى مع معرفة الصواب والقدرة على الإتيان به، فهذا فاسق، بل إن فعل ذلك عنادا كان كافرا، وصلاته باطلة؛ لأنه مستهزئ بكتاب الله عز وجل في صلاته، عادل عما وجب عليه فيها. اهـ.
وقال الروياني في بحر المذهب: إن كان تعمد بذلك، فإن كان معتقداً لما قرأه فقد كفر، ولا صلاة للكافر، وإن لم يكن معتقداً فقد فسق به، وبطلت صلاته. اهـ.
ولما قال ابن حجر الهيتمي في التحفة: لو علم معنى إياك المخفف وتعمده كفر؛ لأنه ضوء الشمس. اهـ.
علق عليه ابن قاسم العبادي - وتبعه الشرواني والدمياطي -فقال: ينبغي: إن اعتقد المعنى حينئذ، بخلاف من اعتقد خلافه وقصد الكذب، فليراجع. اهـ.
وكذلك قُيِّد الكفر حين تعمد اللحن باعتقاد إباحته عند الحنابلة، كما قال ابن مفلح في الفروع: اللحن إن لم يخل المعنى لم تبطل بعمده، خلافا لأبي البركات بن منجى، وظاهر الفصول، وبعض الشافعية .. وإن أحاله فله قراءة ما عجز عن إصلاحه في فرض القراءة. وما زاد يبطل لعمده. ويكفر إن اعتقد إباحته. اهـ.
وذكر الحجاوي مثل ذلك في (الإقناع) فشرحه البهوتي في (كشاف القناع) وعلله فقال: أي إباحة اللحن المحيل للمعنى، لإدخاله في القرآن ما ليس منه. اهـ.
وكذلك شيخ الإسلام ابن تيمية لم يطلق الحكم بالكفر عند تعمد اللحن، بل قيد ذلك بمعرفة المعنى ومخاطبة الله تعالى به، فقال - كما في مختصر الفتاوى المصرية -: وأما إن تعمد اللحن عالما بمعناه بطلت صلاته من جهة أنه لم يقرأ الفاتحة، ومن جهة أنه تكلم بكلام الآدميين، بل لو عرف معناه وخاطب به الله كفر، وإن تعمده ولم يعلم معناه لم يكفر، وإن لم يتعمد لكن ظن أنه حق ففي صحة صلاته نزاع، كما ذكرناه. وكذلك لو علم أنه لحن لكن اعتقد أنه لا يحيل المعنى حتى لو كان إماما ففي صحة صلاة من خلفه نزاع، هما روايتان عن أحمد. اهـ.
وأما إبطال الصلاة بتعمد اللحن - سواء أحال المعنى أو لم يحله - فمحل خلاف بين أهل العلم، وهو كذلك في مذهب الشافعية، وقد ذكر النووي بعد الكلام الذي نقله السائل، مبنى الخلاف في هذه المسألة فقال: وفي التتمة: وجه أن اللحن الذي لا يخل المعنى لا تصح الصلاة معه، قال: والخلاف مبني على الإعجاز في النظم والإعراب جميعا، أو في النظم فقط؟ اهـ.
وكذلك فعل الروياني في بحر المذهب، فقال: قال بعض أصحابنا: ولو لحن بغير المعنى مثل أن قال: {الْحَمْدُ لِلَّهِ} ونصب الهاء، هل يجزيه؟ وجهان؛ بناء على أصل، وهو: أن الإعجاز في النظم وحده دون الإعراب، أو في النظم والإعراب معا؟ اهـ.
والله أعلم.