عنوان الفتوى : حكم والدة وأقارب المرأة التي تزوجها بعقد فاسد
أنا شخص خطبت امرأة، وكنت في بلد آخر لمدة سنة. وحصل أن التقينا ببلد معين؛ لنتم عقد النكاح بوجود أخيها ذي ١٨ سنة، وعمرها ١٩ هي سنة، مع حضور أمها وشاهدين، وموافقتهم جميعا، وثبتناه قانونيا، مع مهر غير مقبوض. ولم تكن هناك ليلة دخلة، وكان عليها الذهاب لبلد، وأنا علي الذهاب، وكلانا لغرض الدراسة.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كان والد المرأة قد وكّل أخاها في عقد الزواج، فالعقد صحيح، لا إشكال فيه، فإنّ لولي المرأة أن يوكل غيره في تزويج موليته، ولا يلزمه حضور العقد بنفسه، وكذلك يصحّ العقد إذا كان والدها قد منعها من الزواج منك، دون مسوّغ، مع كونك كفئا لها.
قال ابن قدامة (رحمه الله): إذا عضلها وليها الأقرب، انتقلت الولاية إلى الأبعد. المغني لابن قدامة.
أمّا إذا كان والدها أهلاً لولاية تزويجها، غير عاضل لها، ولم يوكّل أخاها، فينبغي تجديد العقد عن طريق والدها أو وكيله؛ لأنّ في صحة تزويج أخيها في هذه الحال، خلافا بين أهل العلم، بيناه في الفتوى رقم: 336118.
وحيث وقع العقد صحيحاً، فقد صارت المرأة زوجة لك، وحرمت عليك أمّها على التأبيد، وصارت محرماً لك، قال تعالى: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ... [النساء: 23].
قال ابن قدامة -رحمه الله-: فمن تزوج امرأة حرم عليه كل أم لها، من نسب أو رضاع، قريبة أو بعيدة بمجرد العقد. المغني لابن قدامة.
وعلى القول بعدم صحة العقد، فإنّ أمّ المرأة تحرم عليك تحريماً مؤبداً، فلا يحل لك نكاحها، لكن لا تكون محرماً لك، لأنّه وطء شبهة.
جاء في المغني لابن قدامة: الوطء بالشبهة، وهو الوطء في نكاح فاسد، أو شراء فاسد، أو وطء امرأة ظنها امرأته أو أمته، أو وطء الأمة المشتركة بينه وبين غيره، وأشباه هذا يتعلق به التحريم، كتعلقه بالوطء المباح إجماعا.
قال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه من علماء الأمصار، على أن الرجل إذا وطئ امرأة بنكاح فاسد، أو بشراء فاسد، أنها تحرم على أبيه وابنه، وأجداده وولد ولده. وهذا مذهب مالك، والأوزاعي، والثوري، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبي ثور وأصحاب الرأي. ولأنه وطء يلحق به النسب، فأثبت التحريم، كالوطء المباح. ولا يصير به الرجل محرما لمن حرمت عليه، ولا يباح له به النظر إليها؛ لأن الوطء ليس بمباح؛ ولأن المحرمية تتعلق بكمال حرمة الوطء؛ لأنها إباحة؛ ولأن الموطوءة لم يستبح النظر إليها، فلأن لا يستبيح النظر إلى غيرها أولى. اهـ.
ومجرد انقطاع الصلة بينك وبين زوجتك بالكلام مهما طال، لا يترتب عليه طلاق أو فسخ، ولا أثر له على عصمة الزوجية، فلا يجوز لها أن تتزوج غيرك، إلا بعد أن تفارقها بطلاق أو فسخ.
والله أعلم.