عنوان الفتوى : متى يكون النظر إلى الأجنبية من الكبائر؟
كنت أود أن أسألكم سؤالا لأنه في الفتوى رقم: 27224. بينتم أن مشاهدة الأفلام الإباحية من الكبائر؛ لأن النظر إلى امرأة أجنبية بشهوة مع خوف الفتنة من الكبائر، حسنا أنا لا أعترض بعقلي أو أحتقر الذنب من وجهة نظري، أو أقول لماذا هو من الكبائر اعتراضا؟ ولكن أنا أريد أن أعلم ما هو الدليل من القرآن أو السنة على أن النظر إلى الأجنبية مع خوف الفتنة من الكبائر؛ حيث إنكم سبق وبينتم في الفتوى رقم: 152691. أن الكبائر كل ما كان له حد أو لعن أو غضب في الدنيا والآخرة في القرآن أو السنة، ولكن النظر إلى الأجنبية مع خوف الفتنة لم يرد فيه هذا. لو اتفقنا أنها يمكن أن تؤدي إلى عاقبة الزنا-اللهم احفظني وإياكم- فهذا ليس دليلا لتكون من الكبائر، وهل ما يؤدي إلى كبيرة يكون حكمه كالكبيرة؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الأصل في النظر المحرم هو كونه من صغائر الذنوب، لما في الحديث المتفق عليه عن ابن عباس قال: ما رأيت شيئاً أشبه باللمم مما قال أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنا أدرك ذلك لا محالة، فزنا العينين النظر، وزنا اللسان النطق، والنفس تمنى وتشتهي، والفرج يصدق ذلك أو يكذبه.
وقال الإمام القرطبي رحمه الله في تفسيره: قال أبو هريرة وابن عباس والشعبي اللمم كل ما دون الزنا..... إلى أن قال القرطبي: وكذا قال ابن مسعود وأبو سعيد الخدري وحذيفة ومسروق إن اللمم ما دون الوطء من القبلة والغمزة والنظرة والمضاجعة. انتهى.
وقال الخطابي: قوله: أشبه باللمم. يريد بذلك ما عفا الله عنه من صغائر الذنوب، وهو معنى قوله تعالى: {الذين يجتنبون كبائر الاثم والفواحش إلا اللمم} [الشورى: 37]. وهو ما يلم به الإنسان من صغائر الذنوب التي لا يكاد يسلم منها إلا من عصمه الله تعالى وحفظه؛ وإنما سمي النظر زنا، والقول زنا؛ لأنهما مقدمتان للزنا؛ فإن البصر رائد، واللسان خاطب، والفرج مصدق للزنا ومحقق له بالفعل. اهـ.
وأما الفتوى رقم: 27224 فإنها تتكلم عن كون مشاهدة الأفلام من الكبائر؛ وسبب ذلك أن النظر للأفلام اجتمع فيه شهوة مع خوف الفتنة، ويغلب على صاحبه الإدمان والإصرار فصار من الكبائر، وقد تكلم الهيتمي في الزواجر على النظر فعد من الكبائر: نظر الأجنبية بشهوة مع خوف فتنة، ولمسها كذلك، وكذا الخلوة بها بأن لم يكن معهما محرم لأحدهما يحتشمه، ولو امرأة كذلك، ولا زوج لتلك الأجنبية.
وذكر جملة من الأدلة في تحريم النظر ثم قال: تنبيه: عد هذه الثلاثة من الكبائر هو ما جرى عليه غير واحد، وكأنهم أخذوه من الحديث الأول وما بعده, لكن الذي جرى عليه الشيخان وغيرهما أن مقدمات الزنا ليست كبائر. ويمكن الجمع بحمل هذا على ما إذا انتفت الشهوة وخوف الفتنة، والأول على ما إذا وجدتا. فمن ثم قيدت بهما الأول حتى يكون له نوع اتجاه، وأما إطلاق الكبيرة ولو مع انتفاء ذينك فبعيد جدا. اهــ.
وأما عن كون الصغيرة مع الإصرار عليها تتحول إلى كبيرة، فقد ثبت عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: لا صغيرة مع الإصرار، ولا كبيرة مع الاستغفار. رواه البيهقي وابن جرير وابن أبي حاتم وصحح سنده الشيخ محمد عمرو عبد اللطيف.
وقد ثبت في الحديث الوعيد على الإصرار والدعاء على المصرين بالويل قال النبي صلى الله عليه وسلم: .. ويل للمصرين، الذين يصرون على ما فعلوا وهم يعلمون.. رواه أحمد وصححه الألباني.
وحد الإصرار الذي يجعل الصغيرة كبيرة ما قاله ابن عبدالسلام في قواعد الأحكام: إذا تكررت منه الصغيرة تكرراً يشعر بقلة مبالاته بدينه إشعار ارتكاب الكبيرة بذلك ردت شهادته وروايته بذلك. اهـ
ويقول ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى: وأما النظر والمباشرة فاللمم منها مغفور باجتناب الكبائر، فإن أصر على النظر أو على المباشرة صار كبيرة , وقد يكون الإصرار على ذلك أعظم من قليل الفواحش , فإن دوام النظر بالشهوة وما يتصل به من العشق والمعاشرة والمباشرة قد يكون أعظم بكثير من فساد زنا لا إصرار عليه ؛ ولهذا قال الفقهاء في الشاهد العدل : أن لا يأتي كبيرة ولا يصر على صغيرة..... انتهى.
وقال ابن القيم: وهاهنا أمر ينبغي التفطن له، وهو: أن الكبيرة قد يقترن بها -من الحياء والخوف، والاستعظام لها- ما يلحقها بالصغائر، وقد يقترن بالصغيرة -من قلة الحياء، وعدم المبالاة، وترك الخوف، والاستهانة بها- ما يلحقها بالكبائر، بل يجعلها في أعلى رتبها. وهذا أمر مرجعه إلى ما يقوم بالقلب، وهو قدر زائد على مجرد الفعل، والإنسان يعرف ذلك من نفسه ومن غيره. انتهـى من مدارج السالكين.
وراجع الفتاوى التالية: 212578- 136269- 292522 - 183627 .
والله أعلم.