عنوان الفتوى : حكم الاستثمار في صناديق الاستثمار المتداولة (ETF) في السوق الأمريكية

مدة قراءة السؤال : دقيقة واحدة

أردت السؤال عن ما يسمى Exchange Traded Fund (ETF ؟ وهل يوجد منها ما هو موافق للشريعة الاسلامية، أي يجوز التعامل بها؟

مدة قراءة الإجابة : 10 دقائق

الحمد لله.

أولا:

صناديق الاستثمار المتداولة (ETF) نوع من أنواع صناديق الاستثمار والمنتجات المتداولة في البورصة، يتم الشراء والبيع فيها على مدار اليوم، وتتميز بالمرونة، يمكن للمستثمر أن يشتري ويتعامل دون حاجة للرجوع إلى مدير الصندوق، وقد ظهرت هذه الصناديق من خلال الأسواق الكندية عام 1989م ثم تبعتها الأسواق الأمريكية في عام 1993م.

وينظر:

https://cma.org.sa/Awareness/IFs/Pages/IFFeatures.aspx

وهذه الصناديق قد تكون لأسهم، أو سندات، أو سلع، أو مؤشرات.

ثانيا:

المنتجات المتداولة في البورصة: منها ما هو محرم كالسندات، وعقود الخيارات، ومنها ما هو مباح، كالاتجار في العملة دون استعمال الرافعة المالية، ومنها ما فيه تفصيل كالأسهم، فتباح الأسهم النقية دون المختلطة أو المحرمة، وغالب الموجود من الأسهم هو الأسهم المختلطة والمحرمة.

وقد صدر قرار من مجمع الفقه الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي سنة 1404 هـ يبين المحاذير التي تنطوي عليها معاملات البورصة، وهذا نصه:

" الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:

فإن مجلس المجمع الفقهي الإسلامي قد نظر في موضوع سوق الأوراق المالية والبضائع (البورصة) وما يعقد فيها من عقود - بيعاً وشراءً - على العملات الورقية، وأسهم الشركات، وسندات القروض التجارية والحكومية، والبضائع، وما كان من هذه العقود على معجل، وما كان منها على مؤجل.

كما اطلع المجمع على الجوانب الإيجابية المفيدة لهذه السوق في نظر الاقتصاديين والمتعاملين فيها، وعلى الجوانب السلبية الضارة فيها.

أ- فأما الجوانب الإيجابية المفيدة في البورصة:

أولاً: أنها تقيم سوقاً دائمةً تُسَهِّل تلاقي البائعين والمشترين، وتُعْقَدُ فيها العُقُود العاجلة والآجلة على الأسهم والسَّنَدَات والبضائع.

ثانياً: أنها تسهل عملية تمويل المؤسسات الصناعية والتجارية والحكومية، عن طريق طرح الأسهم وسندات القروض للبيع.

ثالثاً: أنها تُسَهِّل بيع الأسهم وسندات القروض للغير والانتفاع بقيمتها؛ لأن الشركات المصدِّرة لا تصفي قيمتها لأصحابها.

رابعاً: أنها تسهِّل معرفة ميزان أسعار الأسهم وسندات القروض والبضائع، وتَمَوُّجَاتِها في ميدان التعامل عن طريق حركة العرض والطَّلَب.

ب- وأما الجوانب السلبية الضارة في هذه السوق فهي:

أولاً: أن العقود الآجلة التي تجري في هذه السوق ليست في معظمها بيعاً حقيقاً، ولا شراء حقيقاً؛ لأنه لا يُجْرَى فيها التَّقَابُض بين طرفي العَقد فيما يُشْتَرَط له التَّقَابُض في العِوَضَين، أو في أحدهما، شرعاً.

ثانياً: أن البائع فيها غالباً يبيع ما لا يملك، من عملات وأسهم أو سندات قروض أو بضائع، على أمل شرائه من السوق وتسليمه في الموعد، دون أن يقبض الثمن عند العقد، كما هو الشرط في السَّلَم.

ثالثاً: أن المشتري فيها غالباً يبيع ما اشتراه لآخر قبل قبضه، والآخر يبيعه أيضاً لآخر قبل قبضه. وهكذا يتكرر البيع والشراء على الشيء ذاته قبل قبضه، إلى أن تنتهي الصفقة إلى المشتري الأخير، الذي قد يريد أن يتسلم المبيع من البائع الأول، الذي يكون قد باع ما لا يملك، أو أن يحاسبه على فرق السعر في موعد التنفيذ، وهو يوم التصفية، في حين يقتصر دور المشترين والبائعين ـ غير الأول والأخير ـ على قبض فرق السعر في حالة الربح، أو دفعه في حالة الخسارة، في الموعد المذكور، كما يجري بين المقامرين تماماً.

رابعاً: ما يقوم به المتمولون من احتكار الأسهم والسندات والبضائع في السوق للتحكم في البائعين الذين باعوا ما لا يملكون؛ على أمل الشراء قبل موعد تنفيذ العقد بسعر أقل، والتسليم في حينه، وإيقاعهم في الحرج.

خامساً: أن خطورة السوق المالية هذه تأتي من اتخاذها وسيلة للتأثير في الأسواق بصفة عامة، لأن الأسعار فيها لا تعتمد كلياً على العرض والطلب الفعليين من قِبَل المحتاجين إلى البيع أو إلى الشراء، وإنما تتأثر بأشياء كثيرة، بعضها مُفْتَعَل من المهيمنين على السوق، أو من المُحتَكِرين للسلع أو الأوراق المالية فيها، كإشاعة كاذبة أو نحوها. وهنا تكمن الخطورة المحظورة شرعاً؛ لأن ذلك يؤدي إلى تقلبات غير طبيعية في الأسعار، مما يؤثر على الحياة الاقتصادية تأثيراً سيئاً.

ولذلك قد أثارت سوق البورصة جدلاً كبيراً بين الاقتصاديين، والسبب في ذلك أنها سببت - في فترات معينة من تاريخ العالم الاقتصادي - ضياع ثروات ضخمة في وقت قصير، بينما سببت غنى للآخرين دون جهد.

ولذلك كله، فإن مجلس المجمع الفقهي الإسلامي، بعد اطلاعه على حقيقة سوق الأوراق المالية والبضائع (البورصة) وما يجري فيها من عقود عاجلة وآجلة على الأسهم وسندات القروض والبضائع والعملات الورقية، ومناقشتها في ضوء أحكام الشريعة الإسلامية يقرر ما يلي:

أولاً: أن غاية السوق المالية (البورصة) هي إيجاد سوق مستمرة ودائمة يتلاقي فيها العرض والطلب، والمتعاملون بيعاً وشراء، وهذا أمر جيد ومفيد، ويمنع استغلال المحترفين للغافلين.

ولكن هذه المصلحة الواضحة، يواكبها في الأسواق المذكورة (البورصة) أنواع من الصفقات المحظورة شرعاً، والمقامرة والاستغلال، وأكل أموال الناس بالباطل.

ولذلك لا يمكن إعطاء حكم شرعي عام بشأنها؛ بل يجب بيان حكم المعاملات التي تجري فيها، كل واحدة منها على حدة.

ثانياً: أن العقود العاجلة، على السلع الحاضرة الموجودة في ملك البائع التي يجري فيها القبض ـ فيما يشترط له القبض في مجلس العقد شرعاً ـ هي عقود جائزة، ما لم تكن عقوداً على مُحَرَّم شرعاً، أما إذا لم يكن المبيع في ملك البائع، فيجب أن تتوافر فيه شروط بيع السلم.

ثالثاً: أن العقود العاجلة على أسهم الشركات والمؤسسات، حيث تكون تلك الأسهم في ملك البائع: جائزة شرعاً، ما لم تكن تلك الشركات أو المؤسسات موضوع تعاملها مُحَرَّم شرعاً، كشركات البنوك الربويَّة وشركات الخمور، فحينئذ يحرم التعاقد في أسهمها بيعاً وشراءً.

رابعاً: أن العقود العاجلة والآجلة على سندات القروض بفائدة، بمختلف أنواعها: غير جائزة شرعاً، لأنها معاملات تجري بالربا المُحَرَّم.

خامسا: أن العقود الآجلة بأنواعها، التي تجري على المكشوف، أي على الأسهم والسلع التي ليست في ملك البائع، بالكيفية التي تجري في السوق المالية (البورصة) غير جائزة شرعاً؛ لما صح عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال: (لا تبع ما ليس عندك)، وكذلك ما رواه الإمام أحمد وأبو داود بإسناد صحيح عن زيد بن ثابت ـ رضي الله عنهم ـ: (أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ نهى أن تُبَاع السلع حيث تبتاع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم).

سادساً: ليست العقود الآجلة في السوق المالية (البورصة) من قبيل بيع السَّلَم الجائز في الشريعة الإسلامية، وذلك للفرق بينهما من وجهين:

أ- في السوق المالية (البورصة) لا يدفع الثمن في العقود الآجلة في مجلس العقد.

ب- في السوق المالية (البورصة) تُباع السلعة المتعاقَد عليها وهي في ذمة البائع الأول - وقبل أن يحوزها المشتري الأول - عدة بيوعات، وليس الغرض من ذلك إلا قبض أو دفع فروق الأسعار بين البائعين والمشترين غير الفعليين، مخاطرةً منهم على الكسب والربح، كالمقامرة سواء بسواء، بينما لا يجوز بيع المبيع في عقد السلم قبل قبضه.

وبناء على ما تقدم، يرى المجمع الفقهي الإسلامي أنه يجب على المسئولين في البلاد الإسلامية ألا يتركوا أسواق البورصة في بلادهم حرة تتعامل كيف تشاء في عقود وصفقات، سواء أكانت جائزة أم محرمة، وألا يتركوا للمتلاعبين بالأسعار فيها أن يفعلوا ما يشاءون، بل يوجبوا فيها مراعاة الطرق المشروعة في الصفقات التي تعقد فيها، ويمنعوا العقود غير الجائزة شرعاً، ليحولوا دون التلاعب الذي يجر إلى الكوارث المالية، ويخرب الاقتصاد العام ويلحق النكبات بالكثيرين، لأن الخير كل الخير في التزام طريق الشريعة الإسلامية في كل شيء، قال الله تعالى: (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) [الأنعام:153].

والله سبحانه هو ولي التوفيق، والهادي إلى سواء السبيل، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم " انتهى.

وينظر: جواب السؤال رقم:(257560)، ورقم:(216654)، ورقم:(310956)، ورقم:(112445). 

وعلى ذلك؛ فلابد من الاطلاع على مكونات الصندوق، وعدم الاستثمار إلا فيما هو مباح.

والله أعلم.