عنوان الفتوى : وجوب إقامة البينة في دعوى المال ونصابها
نحن خمس فتيات، توفي والدنا -رحمه الله- منذ عدة سنوات، وتم تقسيم الميراث بين الزوجة (والدتنا) ونحن، وعم، وثلاث عمات، طبقا للأنصبة الشرعية. وكان لأبي ميراث من والده الذي توفي قبله، وهو في صورة أراضي زراعية، وبعض العقارات، حيث ظل هذا الميراث في حوزة عمنا إلى الآن، وقد ذكر عمي مؤخرا أن أبي قال له: (نصيبي في ميراث أبينا لك ولأبنائك) وذلك لفظيا، وبدون توثيق كتابي. وحاليا نحن بين أمرين: هل هذا القول إن صح هو هبة من أبينا لعمنا، أم هو وصية؛ وبالتالي لا وصية لوارث؟ وهل لنا الحق في الرجوع عن قول أبينا، خاصه أنه لم يذكره لنا أو لوالدتنا قبل وفاته، وإنما علمنا بهذا القول من عمنا، واستشهد بأن بعض الأقارب سمع والدنا حين ذكر ذلك، أخذا في الاعتبار أن عمنا قد أخذ نصيبه من تركة أبينا، ولم نمانع أبدا في حصوله على مستحقاته. لذا نرجو التكرم مع كل الشكر بإرشادنا إلى ما يتبع في هذا الأمر، وبما لا يخالف شرع الله سبحانه وتعالى.
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فقول عمكم: إن والدكم تنازل له عن نصيبه من ميراث والدهما بمجرده، لا يثبت شيئا. ويعتبر دعوى لا تقبل بذاتها، بل لا بد من إقامة البينة الشرعية عليها، إن لم يصدقه باقي الورثة ممن يعتبر تصديقه، وهو البالغ الرشيد؛ لحديث ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: لَوْ يُعْطَى النَّاسُ بِدَعْوَاهُمْ, لَادَّعَى نَاسٌ دِمَاءَ رِجَالٍ, وَأَمْوَالَهُمْ, وَلَكِنِ الْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَلِلْبَيْهَقِيِّ بِإِسْنَادٍ صَححه الحافظ في بلوغ المرام: الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي, وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ.
قال الصنعاني في السبل: والحديث دال على أنه لا يقبل قول أحد فيما يدعيه لمجرد دعواه، بل يحتاج إلى البينة، أو تصديق المدعى عليه...اهـ.
والبينة التي تثبت بها الأموال: أقلها رجل وامرأتان، أو رجل ويمين المدعي.
جاء في المغني لابن قدامة: وَلَا يُقْبَلُ فِي الْأَمْوَالِ أَقَلُّ مِنْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ، وَرَجُلٍ عَدْلٍ مَعَ يَمِينِ الطَّالِبِ... وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ يَرَوْنَ ثُبُوتَ الْمَالِ لِمُدَّعِيهِ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ، وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ، وَعَلِيٍّ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ـ وَهُوَ قَوْلُ الْفُقَهَاءِ السَّبْعَةِ، وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَالْحَسَنِ، وَشُرَيْحٍ، وَإِيَاسَ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، وَأَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَيَحْيَى بْنِ يَعْمُرَ، وَرَبِيعَةَ، وَمَالِكٍ، وَابْنِ أَبِي لَيْلَى، وَأَبِي الزِّنَادِ، وَالشَّافِعِيِّ. اهــ. مختصرًا.
فإذا أقام عمكم البينة على أن والدكم وهبه نصيبه، فذاك، وإلا كان لكم الحق في المطالبة بنصيب والدكم من تركة أبيه.
وأما إذا أقام عمُّكم بينةً على أن والدكم أوصى له بنصيبه -وصيةً وليس هبةً- فإن هذه الوصية أيضا لا تمضي ولو أقام عليها البينة، ما دام عمكم وارثا لوالدكم؛ لأن الوصية للوارث ممنوعة شرعا، ولا تمضي إلا برضا الوارث البالغ الرشيد. ومن لم يرض بها، كان له الحق في مطالبته بنصيبه من تركة أبيه في جده، وانظري الفتوى رقم: 121878، والفتوى رقم: 170967 وكلاهما عن الوصية لوارث.
والله تعالى أعلم.