عنوان الفتوى : صفة الصحابة رضوان الله عليهم في التوراة

مدة قراءة السؤال : دقيقة واحدة

يقول القرآن في سورة الفتح الآية 29: إنّ الصحابة مذكورون في التوراة والإنجيل، أفهم إشارة الإنجيل، لكن ماذا عن التوراة ؟ لا أستطيع أن أجد أيّ شيء على علامة السجود في التوراة، الأمر الذي جعلني أشعر بالحيرة، فهل تعلم ماذا تُشير هذه الآية في التوراة ؟

مدة قراءة الإجابة : 10 دقائق

الحمد لله.

ورد وصف الصحابة في التوراة والإنجيل 

بيّن القرآن الكريم أن الصحابة رضوان الله عليهم قد ورد وصفهم وبيان فضلهم في التوراة والإنجيل، كما في قول الله تعالى:

مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًاالفتح/29.

قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله تعالى:

" يخبر تعالى عن رسوله صلى الله عليه وسلم وأصحابه من المهاجرين والأنصار، أنهم بأكمل الصفات، وأجل الأحوال، وأنهم ( أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ ) أي: جادون ومجتهدون في عداوتهم، وساعون في ذلك بغاية جهدهم، فلم يروا منهم إلا الغلظة والشدة، فلذلك ذل أعداؤهم لهم، وانكسروا، وقهرهم المسلمون، ( رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ) أي: متحابون متراحمون متعاطفون، كالجسد الواحد، يحب أحدهم لأخيه ما يحب لنفسه، هذه معاملتهم مع الخلق، وأما معاملتهم مع الخالق فإنك ( تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا )، أي: وصفهم كثرة الصلاة، التي أجل أركانها الركوع والسجود.

( يَبْتَغُونَ ) بتلك العبادة ( فَضْلا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا ) أي: هذا مقصودهم بلوغ رضا ربهم، والوصول إلى ثوابه.

( سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ) أي: قد أثرت العبادة -من كثرتها وحسنها- في وجوههم، حتى استنارت، لما استنارت بالصلاة بواطنهم، استنارت بالجلال ظواهرهم.

( ذَلِكَ ) المذكور ( مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ ) أي: هذا وصفهم الذي وصفهم الله به، مذكور بالتوراة هكذا.

وصف الصحابة في الإنجيل

وأما مثلهم في الإنجيل، فإنهم موصوفون بوصف آخر، وأنهم في كمالهم وتعاونهم ( كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ )... " انتهى من "تفسير السعدي" (ص 795).

فالله تعالى أخبر أنه ذكر في التوراة التي أنزلها على موسى عليه السلام صفة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضوان الله عليهم.

لكن لا يُعلم اليوم مِن نسخ التوراة اليوم ما يصرح بهذه الصفات.

وأهل العلم منهم من حمّل بعض عبارات التوراة المتداولة اليوم بعض معاني هذه الآية.

قال الشيخ الطاهر بن عاشور رحمه الله تعالى:

" فبين الله بهذه الآية أن الذين مع النبي صلى الله عليه وسلم هم المقصود بتلك الصفة العجيبة التي في التوراة، أي أن التوراة قد جاءت فيها بشارة بمجيء محمد صلى الله عليه وسلم ، ووصف أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.

والذي وقفنا عليه في التوراة ، مما يصلح لتطبيق هذه الآية هو البشارة الرمزية التي في الإصحاح الثالث والثلاثين من "سفر التثنية" ، من قول موسى عليه السلام: " جاء الرب من سينا وأشرق لهم من سعير وتلألأ من جبل فاران، وأتى من ربوات القدس ، وعن يمينه نار شريعة لهم ، فأحب الشعب جميع قديسيه، وهم جالسون عند قدمك يتقبلون من أقوالك ".

فإن جبل فاران ، هو حِيالَ الحجاز. وقوله:

" فأحب الشعب جميع قديسيه " : يشير إليه قوله: ( رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ )، وقد تقدم من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص ما ينطبق على هذا من سورة الفتح . وقوله: " قديسيه " يفيد معنى: ( تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا )، ومعنى ( سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ). وقوله في التوراة: " جالسون عند قدمك " يفيد معنى قوله تعالى: ( يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا )..." انتهى من "التحرير والتنوير" (26 / 207).

ومنهم من توقف، ورأى أن هذه البشارة كتمها اليهود؛ لأنه من المعلوم أن اليهود تلاعبوا بالتوراة فلم يحفظوها، بل بدلوا وغيروا أشياء وكتموا أشياء.

قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله تعالى:

" قوله تعالى: ( إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ ) الآية.

أخبر تعالى في هذه الآية الكريمة أن الأحبار والرهبان استحفظوا كتاب الله يعني استودعوه، وطلب منهم حفظه، ولم يبين هنا هل امتثلوا الأمر في ذلك وحفظوه، أو لم يمتثلوا الأمر في ذلك وضيعوه؟ ولكنه بيّن في مواضع أخر أنهم لم يمتثلوا الأمر، ولم يحفظوا ما استحفظوه، بل حرفوه وبدلوه عمدا كقوله: ( مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ ). الآية.

وقوله: ( وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ )، وقوله: ( قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا )، وقوله: ( فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ) الآية، وقوله جل وعلا: ( وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ ) الآية، إلى غير ذلك من الآيات " انتهى من"أضواء البيان" (2 / 120).

قال ابن حزم رحمه الله تعالى:

" كيف يستحل مسلم إنكار تحريف التوراة والإنجيل، وهو يسمع كلام الله عز وجل: ( مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا ).

وليس شيء من هذا فيما بأيدي اليهود والنصارى ، مما يدعون أنه التوراة والإنجيل " انتهى من "الفصل" (1 / 318).

ومن المقطوع به أن التوراة زمن النبوة كان فيها أشياء من الحق لم تحرّف ولم تكتم.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:

" والقرآن والسنة المتواترة يدلان على أن التوراة والإنجيل الموجودين في زمن النبي صلى الله عليه وسلم فيهما ما أنزله الله عز وجل، والجزم بتبديل ذلك في جميع النسخ التي في العالم متعذر، ولا حاجة بنا إلى ذكره، ولا علم لنا بذلك " انتهى من "الجواب الصحيح" (2 / 449).

وظاهر الآية ، والمتبادر منها أن التوراة زمن النبي صلى الله عليه وسلم كانت فيها هذه البشارة؛ لأن اليهود كانوا يطمعون أن يكون هذا الفضل فيهم، فلم يكن هناك داع لكتمها وتحريفها.

لكن بعد أن تبين لهم أن خاتم الأنبياء وصحبه ليسوا منهم ، وإنما من العرب ؛ فالذي يقتضيه خلقهم وبغيهم أن يكونوا قد اجتهدوا في كتم هذه البشارة وتحريفها.

قال الله تعالى: وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ ، بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ بَغْيًا أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ البقرة/89 – 90.

روى الطبري في "التفسير" (2 / 239) بسنده عن قتادة: " قَوْلُهُ: ( وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا ) كَانَتِ الْيَهُودُ تَسْتَفْتِحُ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى كُفَّارِ الْعَرَبِ مِنْ قَبْلُ، وَقَالُوا: اللَّهُمَّ ابْعَثْ هَذَا النَّبِيَّ الَّذِي نَجِدُهُ فِي التَّوْرَاةِ يُعَذِّبُهُمْ وَيَقْتُلُهُمْ. فَلَمَّا بَعَثَ اللَّهُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَأَوْا أَنَّهُ بُعِثَ مِنْ غَيْرِهِمْ كَفَرُوا بِهِ، حَسَدًا لِلْعَرَبِ، وَهُمْ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ ( فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ ) ".

وقال الله تعالى:الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ البقرة/146.

قال ابن كثير رحمه الله تعالى:

" يخبر تعالى أن علماء أهل الكتاب يعرفون صحة ما جاءهم به الرسول صلى الله عليه وسلم ( كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ )، كما يعرف أحدهم ولده، والعرب كانت تضرب المثل في صحة الشيء بهذا...

ثم أخبر تعالى أنهم مع هذا التحقق والإتقان العلمي ( لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ ) أي: ليكتمون الناس ما في كتبهم من صفة النبي صلى الله عليه وسلم " انتهى من "تفسير ابن كثير" (1 / 462).

والله أعلم.

أسئلة متعلقة أخري
لا يوجود محتوي حاليا مرتبط مع هذا المحتوي...