عنوان الفتوى : مقارنة بين الأزمة الثقافية والحضارية أول الإسلام واليوم
المقارنة بين الأزمة الثقافية والحضارية التي واجهها العرب بعد الإسلام والتي نواجهها الآن؟.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد:
فقد جاء الإسلامُ والعرب خاصة والعالم كله عامةً بناء متصدع الأركان، كل شيء فيه غير محله، منه ما تكسر ومنه ما التوى ومنه ما فارق محله المعتبر، جاء الإسلام والإنسان يسجد للحجر والشجر، وكل مالا يملك لنفسه النفع أو الضر، جاء والإنسان قد فسدت عقليته فلم تعد تسيغ البدهيات وتعقل الجليات، يستريب في موضع الجزم ويؤمن في موضع الشك، يستحلي المر ويستطيب الخبيث، لا يحب الناصح ولا يبغض العدو، الذئب فيه راع، والخصم فيه قاضٍ جائر، الصالح محروم والطالح محفوظ، ينكر المعروف، وهو بالمنكر معروف، عادته فاسدة وأذواقه باهتة. معاقر للخمر مصادق للفجور والخلاعة. كان همهم ملذاتهم وتعمير دنياهم، فبلغت حضارتهم في الدنيا مبلغها كما في فارس والروم والممالك الأخرى. ولكن ملوكها اتخذوا بلاد الله دولا وعباد الله خولا، وأحبارها ورهبانها أصبحوا أربابا من دون الله يأكلون أموال الناس بالباطل ويصدون عن سبيل الله. فبعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم فدعا الناس إلى الإيمان بالله وحده ورفض الأوثان والعبادات الباطلة ونادى: "يا أيها الناس قولوا لا إله إلا الله تفلحوا". فآمن به من آمن في أمة كانت قبل ذلك لا يأبه بها أحد فساروا ينشرون هذا النور في ربوع الأرض متمسكين بكتاب الله وسنة النبي صلى الله عليه وسلم حتى قال قائلهم ربعي بن عامر "إن الله ابتعثنا لنخرج من شاء ـ من العباد ـ من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام". ودخل الناس في دين الله أفواجاً، حيث إن هذا الدين القويم الذي جاء من عند الله تعالى أنصف المظلوم وسوى بين الناس وتقدم العرب بالإسلام إلى سيادة العالم. ثم تراجعوا شيئاً فشيئاً فإذا العالم بأسره يعود إلى ما كان عليه قبل ذلك من مادية بحتة ووثنية جديدة بسبب تقصير المسلمين في واجبهم فنشأ من الحضارات التي لا تعرف خالقها، ولا تشكر رازقها ما نشأ. إن علة العالم الإسلامي اليوم هي الرضا بالحياة الدنيا والاطمئنان بها والارتياح للأوضاع الفاسدة والهدوء الزائد في الحياة فلا يقلقه فساد ولا يزعجه انحراف ولا يهمه غير مسائل الطعام واللباس. وحيث عُمِلَ بالقرآن والسنة يحدث الصراع بين الإيمان والنفاق، واليقين والشك، بين المنافع العاجلة والدار الآخرة ولا يصلح العالم إلا بذلك، فحينئذ يقوم في كل ناحية من نواحي العالم الإسلامي "فتية آمنوا بربهم". ويتغير وجه العالم إلى سابق العهد الأول للإسلام . هذا . والله أعلم.