عنوان الفتوى : لا تعارض بين أحاديث إعفاء اللحية وتغيير شيبها
كيف يجمع بين الحديث الآمر بصبغ اللحية البيضاء، والحديث الآمر بإعفاء اللحية؟ وكلاهما ينهى عن التشبه بالكفار، مع أن الصبغ سنة والإعفاء واجب؟ وحديث سنن الفطرة التي ذكر منها إعفاء اللحية ؟ وجزاكم الله خيرا ..
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فلا تعارض بين الحديثين المشار إليهما حتى يحتاج إلى الجمع بينهما، فإن حديث الأمر بتغيير الشيب لا يقتضي الأخذ من اللحية عند التغيير، ولا يجوز التغيير بإزالة الشعر، وإنما يكون بالصبغ على الهيئة التي بها اللحية. والحديث - كما في الصحيح وغيره: أُتِيَ بِأَبِي قَحَافَةَ، أَوْ جَاءَ، عَامَ الْفَتْحِ أَوْ يَوْمَ الْفَتْحِ، وَرَأْسُهُ وَلِحْيَتُهُ مِثْلُ الثّغَامِ أَوِ الثّغَامَةِ. فَأَمَرَ، أَوْ فَأُمِرَ بِهِ إلَىَ نِسَائِهِ، قَالَ: غَيّرُوا هَذَا بِشَيْءٍ. وفي رواية: وجنبوه السواد. وفي رواية: إن اليهود والنصارى لا يصبغون فخالفوهم. وأما حديث الأمر بتوفير اللحية، ففي الصحيحين وغيرهما أنه صلى الله عليه وسلم قال: خالفوا المشركين وفروا اللحية وأحفوا الشوارب. وليس في هذا معارضة للحديث الذي قبله. ففي كلا الحديثين الأمر بمخالفة اليهود والنصارى، ولكنه في الحديث الأول بمخالفتهم لأنهم لا يصبغون، وفي الثاني لأنهم لا يوفرون لحاهم، والمسلم مطلوب منه أن يوفر لحيته ويغير بياضها إذا كانت بيضاء، وفي هذا مخالفة لليهود والنصارى في الأمرين. وأما كون الأمر بتوفير اللحية للوجوب والأمر بتغيير الشيب للندب، فلا تعارض بينهما أيضًا؛ فالأصل في الأمر أن يكون للوجوب - كما هو مقرر في أصول الفقه - إلا أن تكون هناك قرينة تصرفه عن الوجوب فيكون مندوبًا. والأمر بتوفير اللحية على الوجوب؛ لأنه الأصل ولم يرد دليل على صرفه إلى الندب، بل ورد ما يؤكد ذلك من فعله صلى الله عليه وسلم وفعل أصحابه، وأن ذلك من سنن الأنبياء وفعلهم، الذين أمرنا الله تعالى بالاقتداء بهم، فقال: أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ[الأنعام:90].، وفي كنز العمال مرسلاً، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ..لكن ربي أمرني أن أحفي شاربي وأعفي لحيتي. هذا ما ذهب إليه جمهور أهل العلم من وجوب توفير اللحية ومنع حلقها. أما الأمر بتغيير الشيب فإنهم أجمعوا على أنه ليس للوجوب، نقل ذلك النووي في شرحه لمسلم ، فلم يغير النبي صلى الله عليه وسلم ما به من شيب وبعض الصحابة غير شيبه، وبعضهم لم يغيره. والحاصل أنه لا تعارض بين الحديثين المذكورين حتى يحتاج للجمع. والله أعلم.