عنوان الفتوى : حكم قصيدة تحتوي على التوجه بدعاء الطلب إلى النبي صلى الله عليه وسلم

مدة قراءة السؤال : دقيقة واحدة

نعلم أن قول "يا رسول الله" بقصد طلب العون منه شرك أكبر، وهناك قصيدة كتبها الإمام زين العابدين، فهل يجوز سماع وقراءة هذه القصيدة؟

مدة قراءة الإجابة : 8 دقائق

الحمد لله.

لعلك تقصد القصيدة الآتية:

إن ملت يا ريح الصبا * يوما إلى أرض الحرمْ 

بلغ سلامي روضة *     فيها النبي المحترم

مَن وجهه شمس الضحى * من قده بدر الدجى

من ذاته نور الهدى *   من كفه بحر الهمم

يا مصطفى يا مجتبى *   ارحم على عصياننا

مجبورة أعمالنا *    طمعا وذنبا وظلم

يا رحمة للعالمين *   أدرك لزين العابدين

محبوس أيدي الظالمين * في الموكب والمزدحم

فهذه الأبيات تتداولها فرق صوفية، ويتناشدونها ، ويتغنون بها .

ونسبتها إلى زين العابدين علي بن الحسين بن علي رضي الله عنهم أجمعين، لا تصح؛ للآتي:

أولا:

قائل هذه الأبيات مقامه كان بعيدا عن المدينة والحجاز، ولذا قال:

إن مِلت يا ريح الصباح يوما إلى أرض الحرم ... بلغ سلامي روضة فيها النبي المحترم

بينما علي بن الحسين كان من أهل المدينة، والمدينة كانت دار إقامته، فلماذا يرسل إليها السلام!؟

ثانيا:

كل من يطالع شعر القدماء والمحدثين، سيظهر له أن أسلوب هذه الأبيات وكلماتها لا تناسب شعر عصر علي بن الحسين، وإنما تناسب العصور المتأخرة.

ثالثا:

قائلها لا يمكن أن يكون علي بن الحسين الذي عرف بسلامة العقيدة وشدة التقوى والخوف من الله تعالى، بينما هذه الأبيات لم يذكر فيها اسم الله تعالى ولا مرة واحدة، ونسبت فيها الرحمة والإغاثة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وكاتبها توجه بدعاء الطلب والاستغاثة إلى النبي صلى الله عليه وسلم بعد موته.

وهذا ، لا شك ، من الشرك الذي عاش النبي صلى الله عليه وسلم محذرا منه ، وإن زعم أصحابه أنه مجرد طلب الشفاعة، كما في قوله تعالى:

  أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ  الزمر/3.

قال ابن كثير رحمه الله تعالى:

" ثم أخبر تعالى عن عُبّاد الأصنام من المشركين أنهم يقولون: ( مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى ) ؛ أي: إنما يحملهم على عبادتهم لهم أنهم عمدوا إلى أصنام اتخذوها على صور الملائكة المقربين في زعمهم، فعبدوا تلك الصور، تنزيلا لذلك منزلة عبادتهم الملائكة؛ ليشفعوا لهم عند الله في نصرهم ورزقهم، وما ينوبهم من أمر الدنيا، فأما المعاد فكانوا جاحدين له كافرين به.

قال قتادة، والسُّدي، ومالك عن زيد بن أسلم، وابن زيد: ( إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى )؛ أي: ليشفعوا لنا، ويقربونا عنده منزلة.

ولهذا كانوا يقولون في تلبيتهم إذا حجوا في جاهليتهم: " لبيك لا شريك لك، إلا شريكا هو لك، تملكه وما ملك".

وهذه الشبهة هي التي اعتمدها المشركون في قديم الدهر وحديثه، وجاءتهم الرسل صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، بردها والنهي عنها، والدعوة إلى إفراد العبادة لله وحده لا شريك له " انتهى من"تفسير ابن كثير" (7 / 84 – 85).

وقد أمره الله تعالى أن يبيّن للناس أنه لا يملك صلى الله عليه وسلم نفعا ولا ضرا ولا يعلم الغيب، إن هو إلا رسول كريم ، بشير بالجنة والرضوان لمن وحّد الله تعالى وأفرده بالعبادة والدعاء والاستغاثة، ونذير بالعذاب لمن أشرك به سبحانه وتعالى.

قال الله تعالى آمرا رسوله صلى الله عليه وسلم:

 قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ الأعراف/188.

ومن يعص الله ورسوله في هذا الأمر فهو متوعد بالخلود في النار، كما في قوله تعالى:

 وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا ، وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا ، قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِهِ أَحَدًا ، قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا ، قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا ، إِلَّا بَلَاغًا مِنَ اللَّهِ وَرِسَالَاتِهِ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا  الجن/18–23.

قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله تعالى:

" ( قُلْ ) لهم يا أيها الرسول، مبينا حقيقة ما تدعو إليه: ( إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِهِ أَحَدًا ) أي: أوحده وحده لا شريك له، وأخلع ما دونه من الأنداد والأوثان، وكل ما يتخذه المشركون من دونه.

( قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا رَشَدًا ) فإني عبد ليس لي من الأمر ولا من التصرف شيء.

( قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ ) أي: لا أحد أستجير به ينقذني من عذاب الله، وإذا كان الرسول الذي هو أكمل الخلق، لا يملك ضرا ولا رشدا، ولا يمنع نفسه من الله شيئا إن أراده بسوء، فغيره من الخلق من باب أولى وأحرى.

( وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا ) أي: ملجأ ومنتصرا.

( إِلا بَلاغًا مِنَ اللَّهِ وَرِسَالاتِهِ ) أي: ليس لي مزية على الناس، إلا أن الله خصني بإبلاغ رسالاته ودعوة الخلق إلى الله، وبهذا تقوم الحجة على الناس.

( وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ) وهذا المراد به المعصية الكفرية، كما قيدتها النصوص الأخر المحكمة " انتهى من "تفسير السعدي" (ص 891).

رابعا:

لم نقف على هذه الأبيات ، منسوبة إلى علي زين العابدين، في أي مصدر من مصادر الأدب ولا التاريخ ولا التراجم ولا الطبقات، وهذا مما يؤكد أنها مصنوعة صنعة متأخرة عن ذلك كله.

قال الشيخ شمس الدين الأفغاني، رحمه الله: " واستدل بعض الديوبندية – يعني: على جواز الاستغاثة - بما قوِّلَهُ الإمام زين العابدين (94هـ) :

يا رحمة للعالمين ... أدرك لزين العابدين

محبوس أيدي الظالمين ... في موكب والمزدحم " . انتهى من "جهود علماء الحنفية في مواجهة العقائد القبورية" (2/1086).

وينظر حول طائفة "الديوبندية" : جواب السؤال رقم : (200321)، ورقم : (324768)

فالحاصل؛ أن على المسلم أن يهجر هذه القصيدة ويحذر منها؛ لأنها تحتوي على الشرك.

ولمزيد الفائدة يحسن مطالعة جواب السؤال رقم : (200862)، ورقم : (115502).

والله أعلم.