عنوان الفتوى : التعبد بالرقص أو القفز أو التمايل أثناء الذكر من البدع المحدثة المنكرة باتفاق أئمة الدين
ادعى أحد مشايخ من يسمون أنفسهم بالصوفية، أن الرقص الصوفي حلال، وقد ساق ما سماه أدلة على ذلك، وهذا كلامه حرفيا: "ملخص أدلة الرقص الصوفي: الرقص الصوفي هو التمايل والاضطراب مع الذكر. وهو نوعان: 1- تمايل مع الذكر: وهذا النوع أدلته كثيرة، صحيحة، لا ينكرها إلا معاند. (تطلب في مظانها) 2- القفز مع الذكر: وهذا النوع له دليلان مشهوران: حديث الحجل، وحديث رقص الحبشة. وأما حديث الحجل، فقد روي بعدة روايات ضعيفة. ولكنها يعضد بعضها بعضا.كما أنه يجوز العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال. وأما حديث الحبشة، فهو من حيث السند لا غبار عليه. وأما من حيث المتن، فقد استدل بلعب الحبشة بالحراب مع مدحهم النبي صلى الله عليه وسلم (محمد عبد صالح) على جواز القفز مع الذكر. فهو قياس الذكر مع القفز، على المدح مع اللعب. وهو استدلال قوي، خاصة إذا علمت أن مدح النبي صلى الله عليه وسلم قربة من القربات. وأصل هذا كله أصلان: 1- قوله تعالى:﴿ فإذا قضيتم الصلاة فاذكروا الله قياما وقعودا وعلى جنوبكم ﴾. وفيه دلالة على جواز الذكر على أي حالة وهيئة، وفي كل حين. ويؤكد هذه الدلالة حديث عائشة -رضي الله عنها- أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يذكر الله في كل أحيانه. والقفز إحدى الهيئات. 2- الإباحة الأصلية، حيث لم يرد نص بالنهي عن القفز والتمايل مع الذكر. فالأصل الإباحة، فلا منع إلا بدليل ينص عليه. أقول (العبد الفقير): الذين يعيبون القفز مع الذكر، أو أكثرهم، يعيبون هذه الهيئة (القفز مع الذكر) لذاتها بأنه لا يليق أن يرافق عبادة الذكر قفز، فهو مما لا تستحسنه العقول. وتناسوا أن هيئة الهرولة بين الصفا والمروة، تدخل في مناسك الحج والعمرة. والله المستعان. والله أعلى وأعلم. " انتهى كلامه. فما هو الرد العلمي على هذه الادعاءات؟ وجزاكم الله خيرا.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن التعبد بالرقص والقفز، والتمايل في الذكر، من البدع المحدثة المنكرة باتفاق أئمة الدين، وقد توارد العلماء من مختلف المذاهب المعتمدة على التصريح ببدعيته، والمبالغة في إنكاره.
جاء في رد المحتار -من كتب الحنفية- : (قوله: ومن يستحل الرقص، قالوا بكفره) المراد به التمايل، والخفض والرفع بحركات موزونة، كما يفعله بعض من ينتسب إلى التصوف.
وقد نقل في البزازية عن القرطبي، إجماع الأئمة على حرمة هذا الغناء، وضرب القضيب والرقص. قال ورأيت فتوى شيخ الإسلام، جلال الملة والدين الكرماني، أن مستحل هذا الرقص كافر، وتمامه في شرح الوهبانية. ونقل في نور العين عن التمهيد أنه فاسق، لا كافر .اهـ.
وقال أبو بكر الطرطوشي المالكي: مذهب الصوفية بطالة وجهالة، وضلالة، وما الإسلام إلا كتاب الله، وسنة رسوله.
وأما الرقص والتواجد، فأول من أحدثه أصحاب السامري، لما اتخذ لهم عجلا جسدا له خوار، قاموا يرقصون حواليه ويتواجدون، فهو دين الكفار وعباد العجل، وأما القضيب فأول من اتخذه الزنادقة؛ ليشغلوا به المسلمين عن كتاب الله تعالى، وإنما كان يجلس النبي صلى الله عليه وسلم مع أصحابه كأنما على رؤوسهم الطير من الوقار، فينبغي للسلطان ونوابه أن يمنعهم من الحضور في المساجد وغيرها، ولا يحل لأحد يؤمن بالله واليوم الآخر أن يحضر معهم، ولا يعينهم على باطلهم، هذا مذهب مالك، وأبي حنيفة والشافعي وأحمد بن حنبل وغيرهم من أئمة المسلمين .اهـ. من تفسير القرطبي.
وقال السبكي الشافعي: السماع على الصورة المعهودة، منكر وضلالة، وهو من أفعال الجهلة والشياطين، ومن زعم أن ذلك قربة، فقد كذب وافترى على الله، ومن قال: إنه يزيد في الذوق، فهو جاهل أو شيطان، ومن نسب السماع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، يؤدب أدبا شديدا، ويدخل في زمرة الكاذبين عليه صلى الله عليه وسلم، ومن كذب عليه متعمدا فليتبوأ مقعده من النار، وليس هذا طريقة أولياء الله تعالى وحزبه، وأتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل طريقة أهل اللهو واللعب والباطل، وينكر على هذا باللسان واليد والقلب.اهـ. من مغني المحتاج.
وقال ابن تيمية الحنبلي: وأما "الرقص" فلم يأمر الله به، ولا رسوله، ولا أحد من الأئمة، بل قد قال الله في كتابه: {واقصد في مشيك}، وقال في كتابه: {وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا} أي: بسكينة ووقار. وإنما عبادة المسلمين الركوع والسجود؛ بل الدف والرقص في الطابق لم يأمر الله به ولا رسوله، ولا أحد من سلف الأمة؛ بل أمروا بالقرآن في الصلاة والسكينة. اهـ.
وأما الشبهات التي نقلت في السؤال، فهي لا تزيد هذه البدعة إلا وهاء ووهنا.
وأما حديث الحجل: فهو حديث ضعيف، ولو صح فإنما فيه إباحة القفز عند الفرح، لا مشروعية التعبد بالرقص عند الذكر، والفرق بين الأمرين جلي. جاء في كتاب: كشف شبهات الصوفية لشحاتة محمد صقر: شبهة: ما رُوِي عَنْ عَلِيٍّ -رضي الله عنه- قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وآله وسلم وَجَعْفَرٌ وَزَيْدٌ، فَقَالَ لِزَيْدٍ: «أَنْتَ مَوْلَايَ» فَحَجَلَ، وَقَالَ لِجَعْفَرٍ: «أَنْتَ أَشْبَهْتَ خَلْقِي، وَخُلُقِي»، فَحَجَلَ وَرَاءَ زَيْدٍ، وَقَالَ لِي: «أَنْتَ مِنِّي وَأَنَا مِنْكَ» فَحَجَلْتُ وَرَاءَ جَعْفَرٍ.
الجواب: أولاً: هذا الحديث رواه البيهقي في (دلائل النبوة) من طريق الواقدي.
قال عنه الحافظ ابن حجر: «متروك».
وقال الإمام الذهبي: «قال البخاري وغيره: متروك».
ورواه الإمام أحمد في (المسند) والبزار في (مسنده) والضياء المقدسي في (الأحاديث المختارة) والبيهقي في (السنن الكبرى) من طريق هانئ بن هانئ الهمداني، الكوفي.
قال عنه الحافظ في تهذيب التهذيب (11/ 22): «ذكره ابن سعد في الطبقة الأولى من أهل الكوفة، قال: وكان يتشيع. وقال ابن المديني: مجهول. وقال حرملة عن الشافعي: هانئ بن هانئ لا يُعرَف، وأهل العلم بالحديث لا ينسبون حديثه لجهالة حاله». اهـ.
وفي (الكامل) لابن عدي: «حدثنا أحمد بن علي، أخبرنا بحر بن نصر، قال: أملى علينا الشافعي، قال: هانئ بن هانئ لا يُعرَف».
وذكره البيهقي هذا الحديث في (شعب الإيمان) (11/ 116) بصيغة التمريض: (رُوِي)، وقال في (السنن الكبرى) بعد أن ذكره: «هانئ بن هانئ ليس بالمعروف جدًا، وفي هذا ـ إن صح ـ دلالة على جواز الحجل، وهو أن يرفع رجلا ويقفز على الأخرى من الفرح».
ثانياً: ليس للحديث ـ إن صحـ علاقة بالتمايل عند الذكر، لا من قريب ولا من بعيد، فليس في الحديث أنهم كانوا يذكرون الله -عز وجل-، بل غاية ما فيه جواز الحجل عند الفرح. اهـ.
وأما قصة لعب الحبشة في المسجد، فلا متعلَّق لهم فيها.
قال ابن حجر في الفتح: واستدل قوم من الصوفية بحديث الباب على جواز الرقص، وسماع آلات الملاهي. وطعن فيه الجمهور باختلاف المقصدين، فإن لعب الحبشة بحرابهم كان للتمرين على الحرب، فلا يحتج به للرقص في اللهو. اهـ.
وجاء في كتاب الذكر الجماعي بين الاتباع والابتداع للدكتور محمد الخميس: وقالوا: يجوز الرقص حالة الذكر، بدليل فعل الحبشة في المسجد بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم ينكر عليهم، وكان رقصهم بالوثبات والوجد، ففي الصحيحين عن عائشة -رضي الله عنها- أنها قالت: "لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسترني بردائه، وأنا أنظر إلى الحبشة يلعبون بالحراب والدرق في المسجد حتى أكون أنا التي أسأمه" وكان ذلك يوم عيد الفطر.
ونقول لهم: هذا قول باطل، مناقض لقواعد الشرع الشريف؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "شر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار" وقائله كأنه ممن يحرفون الكلم عن مواضعه- والاستدلال بفعل الحبشة في المسجد بحضرته صلى الله عليه وسلم، استدلال باطل؛ لأن ذلك كان تمايلا بالحراب للتدريب على استعمال السلاح، كما شرعت المسابقة، وكما أبيح التبختر في الحرب وإن كان ممنوعا في غيره كما قال عليه الصلاة والسلام: "إنها لمشية يبغضها الله إلا في هذا الموطن" وأين هذا من الرقص الذي هو هز المعاطف والأكمام. الذي لا يفعله إلا الفساق من العوام. اهـ.
وأما الاستدلال بقوله تعالى: الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ {آل عمران:191}.
فقد أجاب عنه الألباني جوابا حسنا، فقال: فمثلا من القرآن يحتجون بقوله تعالى: (( إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآَيَاتٍ لأُولِي الأَلْبَابِ *الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ )) يقولون: قال الله ويَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ. نحن نقول من المنهج في تفسير القرآن الكريم أن يفسر القرآن بالقرآن، فإذا لم يوجد آية تفسر آية فبالحديث، فإذا لم يوجد حديث فبأقوال السلف الصالح والمفسرين، فهنا أنتم تفسرون: ( الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ) في حالة واحدة -أي الجمع بين القيام والقعود في ذات الحين-، من هو المفسر لهذه الجملة من هذه الآية الكريمة بمثل هذا التفسير؟ لا أحد قاطبة.
إذا أخذنا تفسير ابن جرير وهو إمام المفسرين، وتفسير ابن كثير وهو الذى جمع الكثير من التفاسير منها تفسير ابن جرير، كلهم بدون استثناء يجمعون على أن هذه الآية يمكن تفسيرها بتفسيرين لا ثالث لهما:
التفسير الأول: الذين يذكرون الله قياما حالة كونهم قائمين، وقعودا حالة كونهم قاعدين، وجنوبا حالة كونهم مضجعين، هذا القول يشمل الأحوال كلها، الان أنت تقعد وتقول سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم، أو تضع جنبك وتقرأ آية الكرس.
القول الثاني والأخير: الذين يذكرون الله قياما في صلاتهم حين الاستطاعة، وقعودا حين العجز عن القيام، وعلى جنوبهم حين العجز عن القيام والقعود، وهذا جاء صريحا في صحيح البخاري، عن عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: كَانَتْ بِي بَوَاسِيرُ، فَسَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الصَّلاةِ، فَقَالَ: صَلِّ قَائِمًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ) هذا الحديث يؤيد القول الثاني.
ثم نقول تفسيركم هذا أول من ينقضه هو أنتم؛ لأنهم يجمعون بين القيام والقعود، لكن الجنوب لا يضعونها. اهـ.
وأما قوله: (-الإباحة الأصلية...حيث لم يرد نص بالنهي عن القفز والتمايل مع الذكر.فالأصل الإباحة، فلا منع إلا بدليل ينص عليه.):
فإن الإباحة الأصلية محلها العادات، وأما العبادات فإن الأصل فيها المنع والحظر، فمن يدعي مشروعية عبادة معينة، فهو المطالب بالدليل.
قال ابن تيمية: تصرفات العباد من الأقوال والأفعال نوعان: عبادات يصلح بها دينهم، وعادات يحتاجون إليها في دنياهم.
فباستقراء أصول الشريعة نعلم أن العبادات التي أوجبها الله، أو أحبها لا يثبت الأمر بها إلا بالشرع.
وأما العادات فهي ما اعتاده الناس في دنياهم، مما يحتاجون إليه، والأصل فيه عدم الحظر، فلا يحظر منه إلا ما حظره الله سبحانه وتعالى.
وذلك لأن الأمر والنهي هما شرع الله، والعبادة لا بد أن تكون مأمورا بها، فما لم يثبت أنه مأمور به كيف يحكم عليه بأنه عبادة؟ وما لم يثبت من العادات أنه منهي عنه كيف يحكم على أنه محظور؟
ولهذا كان أحمد وغيره من فقهاء أهل الحديث يقولون: إن الأصل في العبادات التوقيف، فلا يشرع منها إلا ما شرعه الله تعالى. وإلا دخلنا في معنى قوله: {أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله}.
والعادات الأصل فيها العفو، فلا يحظر منها إلا ما حرمه، وإلا دخلنا في معنى قوله: {قل أرأيتم ما أنزل الله لكم من رزق فجعلتم منه حراما وحلالا} ولهذا ذم الله المشركين الذين شرعوا من الدين ما لم يأذن به الله، وحرموا ما لم يحرمه في سورة الأنعام من قوله تعالى: {وجعلوا لله مما ذرأ من الحرث والأنعام نصيبا فقالوا هذا لله بزعمهم وهذا لشركائنا فما كان لشركائهم فلا يصل إلى الله وما كان لله فهو يصل إلى شركائهم ساء ما يحكمون} {وكذلك زين لكثير من المشركين قتل أولادهم شركاؤهم ليردوهم وليلبسوا عليهم دينهم ولو شاء الله ما فعلوه فذرهم وما يفترون} {وقالوا هذه أنعام وحرث حجر لا يطعمها إلا من نشاء بزعمهم وأنعام حرمت ظهورها وأنعام لا يذكرون اسم الله عليها افتراء عليه سيجزيهم بما كانوا يفترون} فذكر ما ابتدعوه من العبادات ومن التحريمات، وفي صحيح مسلم عن عياض بن حمار- رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال {: قال الله تعالى: إني خلقت عبادي حنفاء فاجتالتهم الشياطين، وحرمت عليهم ما أحللت لهم، وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانا} . وهذه "قاعدة عظيمة نافعة". اهـ.
وأما دعواه: (أقول (العبد الفقير): الذين يعيبون القفز مع الذكر...أو أكثرهم..يعيبون هذه الهيئة (القفز مع الذكر) لذاتها بأنه لا يليق أن يرافق عبادة الذكر قفز..فهو مما لا تستحسنه العقول...وتناسوا أن هيئة الهرولة بين الصفا والمروة تدخل في مناسك الحج والعمرة...)
فلو سلمنا جدلا بأن هيئة القفز مما لا تعاب، فيبقى حظر القفز مع الذكر قائما؛ لعدم الدليل على مشروعيته، فهذا الإيراد إنما يصلح حجة على المانعين لو كان دليلهم محصورا في مجرد عيب هيئة القفز مع الذكر، لكن الأمر ليس كذلك -كما تقدم تفصيله-.
بل إن هذا الإيراد ممنوع من أصله، ففرق كبير بين القفز في الذكر، والسعي بين العملين فيما بين المروة والمروة، فالسعي بين العلمين شُرع لحِكَم ظاهرة معلومة.
جاء في الشرح الممتع لابن عثيمين: والدليل على ذلك -السعي الشديد- فعل الرسول صلّى الله عليه وسلّم، فإنه كان يسعى حتى تدور به إزاره من شدة السعي.
فإن قال قائل: ما الحكمة في كونه يسعى سعياً شديداً بين العلمين.
فالجواب: أنه كان في هذا المكان واد، أي مسيل مطر، والوادي في الغالب يكون نازلاً ويكون رخواً رملياً، فيشق فيه المشي العادي، فيركض ركضاً. وأصل السعي أن يتذكر الإنسان حال أم إسماعيل، فإنها ـرضي الله عنهاـ لما خلَّفها إبراهيم ـ عليه الصلاة والسلام ـ هي وابنها في هذا المكان، وجعل عندها، سقاءً من ماء، وجراباً من تمر، فجعلت الأم تأكل من التمر، وتشرب من الماء، وتسقي اللبن لولدها، فنفدَ الماء ونفد التمر، فجاعت وعطشت، ويبس ثديها، فجاع الصبي، وجعل يتلوى من الجوع، فأدركتها الشفقة، فرأت أقرب جبل إليها الصفا فذهبت إلى الصفا، وجعلت تتحسس لعلها تسمع أحداً، ولكنها لم تسمع، فنزلت إلى الاتجاه الثاني إلى جبل المروة، ولما هبطت في بطن الوادي نزلت عن مشاهدة ابنها، فجعلت تسعى سعياً شديداً، حتى تصعد لتتمكن من مشاهدة ابنها ... فهذا هو السبب في كون الناس يسعون سعياً شديداً إذا وصلوا هذا المكان، والآن ليس فيه واد، لكن فيه علامة على هذا الوادي وهو هذا العلم الأخضر.
فالإنسان إذا سعى يستحضر:
أولاً: سنة الرسول عليه الصلاة والسلام.
وثانياً: حال هذه المرأة، وأنها وقعت في شدة عظيمة حتى أنجاها الله، فأنت الآن في شدة عظيمة من الذنوب، فتستشعر أنك تحتاج إلى مغفرة الله ـ عزّ وجل ـ كما احتاجت هذه المرأة إلى الغذاء، واحتاج ولدها إلى اللبن. اهـ.
فالخلاصة: أن التعبد بالرقص أو القفز، أو التمايل بدعة محدثة، منكرة باتفاق سلف الأمة وأئمتها، وهي صنيع يمجه العقلاء، وينفر منه أصحاب الطبع السليم، وليس لمن يرتكب هذه البدع حجة، وإنما يشغبون بذكر آيات وأحاديث ليس لهم فيها دلالة صحيحة.
والله أعلم.