عنوان الفتوى : هل سنة الزوال مشروعة؟
آمل تسليط بعض الضوء حول صلاة الزوال التي تُصلَّى قبل الظهر، هل تعتبر من فئة العمل الصحيح أم السُّنة؟
الحمد لله.
جاء عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ السَّائِبِ رضي الله عنه: " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي أَرْبَعًا بَعْدَ أَنْ تَزُولَ الشَّمْسُ قَبْلَ الظُّهْرِ، وَقَالَ: ( إِنَّهَا سَاعَةٌ تُفْتَحُ فِيهَا أَبْوَابُ السَّمَاءِ ، وَأُحِبُّ أَنْ يَصْعَدَ لِي فِيهَا عَمَلٌ صَالِحٌ ).
أخرجه الترمذي (478) وقال : وَفِي البَابِ عَنْ عَلِيٍّ ، وَأَبِي أَيُّوبَ : " حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ السَّائِبِ حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ ".
وصححه ابن العربي في "عارضة الأحوذي" (1/436)، وأحمد شاكر في "شرح سنن الترمذي" (2/343)، والألباني في "صحيح الترمذي" (478).
أما حديث أبي أيوب رضي الله عنه ، فقد أخرجه أحمد في "المسند" (23532) ، وفيه قَالَ : " أَدْمَنَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ عِنْدَ زَوَالِ الشَّمْسِ قَالَ : فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ مَا هَذِهِ الرَّكَعَاتُ الَّتِي أَرَاكَ قَدْ أَدْمَنْتَهَا؟ قَالَ: ( إِنَّ أَبْوَابَ السَّمَاءِ تُفْتَحُ عِنْدَ زَوَالِ الشَّمْسِ ، فَلَا تُرْتَجُ حَتَّى يُصَلَّى الظُّهْرُ ، فَأُحِبُّ أَنْ يَصْعَدَ لِي فِيهَا خَيْرٌ ) قَالَ: قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ تَقْرَأُ فِيهِنَّ كُلِّهِنَّ ؟ قَالَ: قَالَ: ( نَعَمْ ) قَالَ : قُلْتُ : فَفِيهَا سَلَامٌ فَاصِلٌ ؟ قَالَ : ( لَا )" .
قال الأرناؤوط : حسن لغيره ، وهذا إسناد ضعيف لضعف عُبيدة : وهو ابن مُعتِّب الضبي ، ولاضطرابه ، وقرثع الضبي ليس بذاك القوي .
وأخرجه الحميدي (385)، وابن ماجه (1157)، وابن خزيمة (1214) ، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" (1/335)، والطبراني في "الكبير" (4032) و (4033) و (4034) ، والبيهقي 2/488، والخطيب في "موضح أوهام الجمع والتفريق" (1/168-169) من طرق عن عُبيدة بن معتِّب، بهذا الإسناد.
وقوله : " فلا ترتج " أي : فلا تغلق . من: أرْتَجْتُ الباب؛ إذا أغلقتَه ، والإِرْتاج : الغَلْقُ.
وفي رواية عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ رضي الله عنه : أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ قَبْلَ الظُّهْرِ ، فَقِيلَ لَهُ : إِنَّكَ تُدِيمُ هَذِهِ الصَّلَاةَ فَقَالَ : إِنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْعَلُهُ فَسَأَلْتُهُ ، فَقَالَ : ( إِنَّهَا سَاعَةٌ تُفْتَحُ فِيهَا أَبْوَابُ السَّمَاءِ ، فَأَحْبَبْتُ أَنْ يَرْتَفِعَ لِي فِيهَا عَمَلٌ صَالِحٌ ).
أخرجه أحمد في "المسند" (23551)، وقال الأرناؤوط : صحيح لغيره ، وهذا إسناد ضعيف ، شريك -وهو ابن عبد الله النخعي- سيِّء الحفظ ، وعلي بن الصلت مجهول.
وصححه السيوطي في "الجامع الصغير" (2163)، والألباني في "صحيح الجامع" (1532).
واختلف العلماء في هذه الأربع ركعات:
فذهب الحنفية إلى أن المراد بها سنة الظهر القبلية.
قال المظهري الحنفي في "المفاتيح في شرح المصابيح: (2/ 254):
" قوله : كان يصلِّي أربع ركعاتٍ بعدَ الزَّوَالِ لا يُسلِّمُ إلا في آخرهنَّ، فقال : ( إنها ساعة تُفْتَحُ فيها أبوابُ السماء )، أراد بهذه الأربعِ سنةَ الظهرِ التي قبلَها " انتهى.
وقال القاري في "مرقاة المفاتيح" (3/894):
" وتلك الركعات الأربع: سنة الظهر التي قبله، كذا قاله بعض الشراح من علمائنا ، وأراد به الرد على من زعم أنها غيرُها وسماها سنة الزوال " انتهى.
وذهب الشافعية إلى أنها أربع ركعات غير سنة الظهر القبلية ، وسموها بــ " سنة الزوال ".
قال السيوطي في "قوت المغتذي" (1/204):
" ( كان يصلِّي أربعًا بعد أن تزول الشمس ). قال العراقي : هي غير الأربع التي هي سنة الظهر قبلها، وتسمى هذه سنة الزوال " انتهى.
وقال الهيتمي في "الفتاوى الفقهية الكبرى" (1/ 233):
" وسنة الزوال أربع ، وهي غير سنة الظهر التي هي أربع أيضًا " انتهى.
واختار ذلك أيضا الحافظ ابن حجر في "نخب الأفكار" (5/374).
كما اختاره ابن القيم ، حيث قال : " قد يقال : إن هذه الأربع لم تكن سنة الظهر ، بل هي صلاة مستقلة كان يصليها بعد الزوال، كما ذكره الإمام أحمد عن عبد الله بن السائب...
وأما سنة الظهر: فالركعتان اللتان قال عبد الله بن عمر.
يوضح ذلك: أن سائر الصلوات سنتها ركعتان ركعتان ، والفجر مع كونها ركعتين ، والناس في وقتها أفرغ ما يكونون ، ومع هذا سنتها ركعتان.
وعلى هذا ، فتكون هذه الأربع التي قبل الظهر وردًا مستقلاً سببه انتصاف النهار وزوال الشمس " انتهى من "زاد المعاد" (1/ 298).
والذي يظهر هو رجحان القول الأول ، وهو أن هذه الأربع هي سنة الظهر القبلية ، وأنها تكون ركعتين ركعتين ، وهذا ما تدل عليه الأحاديث الصحيحة الثابتة ، التي دلت على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي قبل الظهر أربع ركعات ، وأنها كانت مثنى مثنى ، أما الأحاديث التي فيها أن الأربع ركعات بدون تسليم فاصل ؛ ففي أسانيدها نظر .
قال الشيخ الدكتور سعيد بن وهف القحطاني – رحمه الله - : " سألت شيخنا الإمام عبد العزيز بن عبد الله بن باز - رحمه الله -: هل هذه راتبة صلاة الظهر أم غيرها ؟ فبين - رحمه الله - أنها راتبة الظهر " انتهى من "صلاة التطوع" (ص: 42).
وينظر جواب السؤال رقم: (161327)، ورقم: (347528).
ولو كانت هذه الأربع ركعات غير سنة الظهر القبلية ؛ لاشتهر العمل بها عند الصحابة ومن بعدهم من التابعين وأتباعهم والأئمة الأربعة ، ولذكرها المحققون من العلماء في كتبهم .
هذا ، ولا حرج على من صلى هذه الأربع كسنة مستقلة ، تقليدًا لمن قال بذلك من العلماء ، فالمسألة من مسائل الخلاف المعتبر ، الذي يسع فيه الأخذ بأحد القولين .
والله أعلم.
أسئلة متعلقة أخري |
---|
هل سنة الزوال مشروعة؟ |
هل سنة الزوال مشروعة؟ |