عنوان الفتوى : أهم العوامل في عدم الاتحاد بين المسلمين
لماذ لا تتحد الدول مع بعضها البعض؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فلا شك أن الفرقة عذاب، وأن الجماعة رحمة، ولهذا حث القرآن الكريم والسنة النبوية على الاجتماع والائتلاف، وحذّرا من الفرقة والاختلاف. قال الله تعالى: وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ[آل عمران:105]. وقال تعالى: وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ[الأنفال:46]. قال المفسرون: قوتكم ودولتكم. والأصل أن يكون المسلمون جميعًا في دولة واحدة وتحت قيادة عامة تجمعهم، هذا ما كان عليه المسلمون من قديم الزمان على اختلاف شعوبهم، فكانوا يجتمعون جميعًا تحت ظل الخلافة الإسلامية العامة، وإن كان لكل قُطر خصائصه ونظامه الداخلي. ولأهمية الخلافة في الإسلام ألحق أهل العلم وجوب تنصيب الإمام العام بالعقائد، فعقدوا له أبواباً في كتبهم في العقائد وأحكام الإمامة في الفقه، وجعلوه من فروض الكفايات، وظل المسلمون طول تاريخهم من عهد نبيهم صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين ومن جاء بعدهم تحت قيادة عامة واحدة - تقريبًا - هي الخلافة الإسلامية، حتى جاء الاستعمار الغربي واحتل بلاد المسلمين في غفلة الرقيب وغيبة الحارس وقسَّم بلادهم إلى دويلات وكيانات هزيلة، صنعها على عينه وربطها بمصلحته، وزرع بينها العداوات والنزاعات الحدودية الوهمية على حد قوله: "فرق تسد". وعلى ذلك، فلا سبيل إلى اتحاد الدولة الإسلامية مادام الكفار يتحكمون فيهم ويهيمنون عليهم؛ لأنهم هم الذين فرقوا شمل العالم الإسلامي وقسَّموه ليسهل التحكم فيه. واتفاقية سايكس بيكو بين الدول المستعمرة في فرنسا سنة 1916م ما هي إلا جزء يسير مما نعلم، وما خفي أدهى وأعظم، وهذه الاتفاقيات وما أشبهها هي التي تمنع الدول الإسلامية من أن تتحد؛ لأن الذين أقاموها أصبحوا يتحكمون في العالم وفي العالم الإسلامي خاصة أكثر من تحكمهم في ذلك الوقت. فهذا أهم العوامل في عدم الاتحاد بين المسلمين، بالإضافة إلى عوامل أخرى شكلية. وإذا أراد المسلمون حقيقة أن يتحدوا فالطريق إلى ذلك واضح وميسر - ولا طريق غيره، مهما رفع من شعارات الوطنية والقومية وغيرها - وهو الرجوع إلى الله تعالى، والتمسك بدينه الشامل. وبغير ذلك لن تقوم للمسلمين قائمة. والله أعلم.