قاتل أوقاتنا وناحر أبنائنا!
مدة
قراءة المادة :
5 دقائق
.
قاتل أوقاتنا، وناحر أبنائنا!جلستُ مع أطفال صغار، متحدِّثًا لهم وإليهم..
ثم ختمت المجلس قائلًا: أخبروا أهاليكم بما سمعتم؟
قال لي صغير: أستاذ، أمي وأبي مشغولان!
قلت له: طوال الوقت مشغولان؟!
قال لي: نعم، وأشار إلى يده يحرِّكها؛ يعني: مشغولَيْن بالجوَّال!
فحزنت وأسيتُ، وبكى قلبي قبلَ عيني!
وقلت: أمَّتي إلى أين؟ وفي أيِّ وادٍ تسير؟ فإلى أين المصير؟!
لقد نجح الغرب في غزونا فكريًّا وإعلاميًّا وأخلاقيًّا! إننا نعيش على فُتات زبالاتهم النَّتنةِ، ولا يرضونها عيشةً لأنفسهم!
لا تقل لي: هناك علمٌ ومنافع في الجوال.
أقول لك: أيعقلُ أن الإنسان (المؤنتر، والمفسبك، والمتوتر، والموتسب ووو) يقضي وقتَه كلَّه في قراءة العلم أو سماعه؟!
لا، وألف لا، لا يكون ولا يعقلُ، ولكن عسى أن يكون - وأنا رجل فؤول! - بل أكاد أجزم أن الكثير الأكثرَ يقضون أوقاتَهم في القيل والقال، وربما بعض المحرمات؛ كالأغاني والموسيقا ونحوهما! وربما البعض - والعياذ بالله - يقضي وقتَه مع أفلام ساقطةٍ، ومسلسلات هابطة!
فيا لله! أيُّ جيلٍ سيخرج من هذا الزخمِ الهائل الآيل!
ربَّاه رحماك بنا وبأبنائنا وبناتنا وصغارنا ومجتمعنا أجمعَ.
فإن هذه القطعةَ الصغيرة قد أفسدت علينا وعلى الناس معايشَهم، فالتمسوا لي حياةً ليس فيها!
والله لقد غيَّرت حالنا، وحرَّفَت مسارنا، وأبعدتنا عن ربنا!
هجَرْنا القرآن، ولم نعد نقرأ إلا قليلًا بل أقل من القليلِ، بل ربما هجرناه بالكلية!
وذلك لأن حبَّ القرآن وحبَّ الغناء ونحوهما لا يجتمعان في قلب أبدًا:
حبُّ الكتاب وحبُّ ألحان الغِنا ♦♦♦ في جوفِ عبدٍ ليس يجتمعانِ
تجرَّأت البنت، وراسلت، وواصلت، ومازحت، وسهرت مع شباب لاهثٍ! ثم أسألكم بالله قل لي ما يكونُ؟
لا تتهموني، بأني تشاؤميٌّ، وأني سيِّئ الظن بالآخرين؛ لا ورب البنيَّة وأنتم تعلمون ماذا تحت الكواليس!
الأمر خطير جدُّ خطير، لِنتدارَكْه قبل السقوط في الوحَلْ!
ما رأيكم بمن ترسلُ صورَها لصديق عبر هذه القطعة القاتلة!
لا، بل ترسلُ نفسَها وهي في وضع مزرٍ فاضح؟ فهمتم؟!
آهٍ! لم أكن أظن أني أدركُ هذا الزمن الخائب اللَّاهب!
• اتصلتْ عليَّ فتاة تبكي، والله تبكي وتنتحب، بل تقول: إنها عزَمَت على الانتحار!
• خيرًا ما شأنك؟
• قالت: ضيَّعت حياتي، ودمَّرت مستقبلي!
• قلت: خيرًا، ما الأمر؟
• قالت: تعرفت على شابٍّ عن طريق الجوال الخائن، وصار بيننا حب وعشق وتعلُّق، حتى أعطيتُه صوري!
والآن، يُهدِّدني بنشر الصور إن لم أخرج معه!
يا لَلفاجعة!
يا لَلكارثة!
يا لَلجاثمة!
أختاه، أتنتظرين الدور ليأتي إليك وعليكِ؟ أم أنك حصيفةٌ تعتبرين بغيرك؟
و(العاقل مَن اتَّعظ بغيره)
أخي أختي، لنضبط أنفسَنا في تعاملنا مع جوَّالاتنا وأجهزتنا الإلكترونية، ولنحاسب أنفسَنا ونراقبها، ونحذر أن نجعلَ له أكثرَ أوقاتنا وأجملها؛ فإنه لصٌّ ومخاتل!
تالله إنا لنسألُ عن كل دقيقة، وعن كلِّ لحظة مضتْ من أعمارنا، ألم نقرأ قولَ رسولنا الأكرم عليه الصلاة والسلام: ((لا تزول قدما عبدٍ يوم القيامة حتى يُسألَ عن أربع: عن شبابه فيمَ أبلاه؟ وعن عمره فيمَ أفناه...)) الحديث.
ما جوابُنا بين يدي خالقِنا يوم العرض الأكبر، فلا كذبَ ولا تدليس ولا مراوغةَ ولا احتيال ولا تلبيس، بل ﴿ الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾ [يس: 65].
ما هو قولُك؟
ألا نشعرُ بالحرج والخيبة، حين أن يكون جوابنا: ربَّاه قضينا أوقاتنا مع الجوال في الليل والنهار..
ربَّاه قضينا أوقاتنا في النظر إلى الأفلام الخليعةِ الساقطة الهابطة..
ربَّاه نظرتُ إلى النساء بل وإلى عوراتهن..
ربَّاه نظرت إلى الرجال بل إلى عوراتهم!
ربَّاه ربَّاه ربَّاه!
كيف موقفُك، حين يقول لك الله مقرِّرًا:
أغرَّك حلمي عنك يا عبدي؟! أغرَّك أن سترتُ عليك في الدنيا؟!
لا تقل: سأتوب، وأنت لازلتَ مصرًّا على الذنوب، بل إن كنت صادقًا فعودة حقيقية، وتوبة نصوح، وحزمٌ وعزم، وأبشِر بالفلاح والنجاح والانشراح.
أخي أختي: من الآن، عرفتَ فالزم، وإلا فإن الأمرَ شديد، بل يقال لك: ﴿ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ ﴾ [ق: 22]!
إنها فضيحةٌ وعار، وذلٌّ ومهانة وخزي وشنارٌ ونار، وغضبٌ للجبَّار! هل نحتملُ كلَّ هذا؟ لا وربي ولا أقلَّ منه، ولكنها المكابرة! فلا نغالط أنفسنا، ولْنعُدْ إلى ربنا، وننسَ الماضي أيًّا كان ﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ ﴾ [الزمر: 53]، بشرط عدم العودة إلى الذنب، والندم عليه، والإقلاعِ عنه، وإرجاعِ مظالم الناس!
ربِّ هذا بلاغي للناس؛ لتكون حجتي بين يديك.
ربِّ اشهد وأنت خير الشاهدين
هذا بلاغٌ لكم والبعثُ موعدُنا ♦♦♦ وعند ذي العرشِ يدري الناس ما الخبرُ