خصائص النبي (3) ما اختصّ به عن أمّته من الفضائل والكرامات
مدة
قراءة المادة :
9 دقائق
.
1- عصمة في الأقوال والأفعال:
كان صلّى اللّه عليه وسلّم معصومًا في أقواله وأفعاله لا يجوز عليه الخطأ فيما يتعلّق بأداء الرّسالة ولا يقرّ عليه بل ينزل الوحي بتصحيحه.
قال تعالى: {وَالنَّجْمِ إِذا هَوى .
ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَما غَوى .
وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى .
إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى} [النجم:1- 4].
2- من استهان به أو سبّه كفر:
تضافرت الأدلّة من الكتاب والسّنة وإجماع الأمّة موضّحة ومجلّية ما يجب لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم من الحقوق وما يتعيّن له من برّ وتوقير وإكرام وتعظيم ومن أجل هذا حرّم اللّه تبارك وتعالى أذاه في كتابه وأجمعت الأمّة على قتل منتقصه وسابّه.
قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُّهِينًا} [الأحزاب:57].
وقال تعالى: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ} [ التوبة :61].
فكلّ من استهان برسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، أو سبّه، أو عابه، أو ألحق به نقصًا في نفسه أو نسبه أو دينه، أو خصلة من خصاله، أو عرّض به، أو شبّهه بشيء على طريق السّبّ له أو الإزراء عليه أو التّصغير لشأنه أو الغضّ منه والعيب له فإنّه يُقتل كفرًا.
قال أبو بكر بن المنذر رحمه اللّه: "أجمع عوامّ أهل العلم على أنّ من سبّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يقتل".
3- الكذب عليه ليس كالكذب على غيره:
الكذب رذيلة محضة وخصلة ذميمة وهو من قبائح الذّنوب وفواحش العيوب وأقبح الصّفات.
ومن أشدّ أنواع الكذب وأشنعه الكذب على اللّه تعالى أو الكذب على رسوله صلّى اللّه عليه وسلّم لأنّه افتراء في الدّين، وتلاعب بشرائع اللّه لعباده، وتجرّؤ عظيم على النّار.
ولهذا أجمع العلماء على تغليظ الكذب على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، وأنّه من الكبائر وأنّ من كذب عليه متعمّدًا مستجيزًا لذلك فهو كافر.
قال صلّى اللّه عليه وسلّم: «إنّ كذبا عليّ ليس ككذب على أحد فمن كذب عليّ متعمّدا فليتبوّأ مقعده من النّار» ( البخاري ).
4- رؤية خاصّة:
عن عائشة رضي اللّه عنها؛ قالت: "قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يومًا: «يا عائش هذا جبريل يقرئك السّلام».
فقلت: وعليه السّلام ورحمة اللّه وبركاته، ترى ما لا أرى" (البخاري).
وعن أبي ذرّ رضي اللّه عنه؛ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «إنّي أرى ما لا ترون، وأسمع ما لا تسمعون.
إنّ السّماء أطّت وحقّ لها أن تئطّ.
ما فيها موضع أربع أصابع إلّا وملك واضع جبهته ساجدًا للّه.
واللّه لو تعلمون ما أعلم، لضحكتم قليلًا ولبكيتم كثيرًا.
وما تلذّذتم بالنّساء على الفرش.
ولخرجتم إلى الصّعدات تجأرون إلى الله» (صحيح الجامع).
وعن أبي هريرة رضي اللّه عنه؛ قال: صلّى بنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يوما.
ثمّ انصرف فقال: «يا فلان ألا تحسن صلاتك؟ ألا ينظر المصلّي إذا صلّى كيف يصلّي؟ فإنّما يصلّي لنفسه.
إنّي واللّه لأبصر من ورائي كما أبصر من بين يديّ» (مسلم).
5- أجر تطوّعه قاعدًا كتطوّعه قائمًا:
شرعت صلاة النّافلة لحكم عظيمة وأسرار منها زيادة الحسنات ورفعة الدّرجات، وجبر وإكمال الفريضة إن نقصت.
ولصلاة النّافلة آداب وأحكام منها: جواز القعود فيها مع القدرة على القيام بخلاف الفريضة فمن صلّاها كذلك فصلاته صحيحة وله نصف ثواب القائم لقوله صلّى اللّه عليه وسلّم: «صلاة القاعد على النّصف من صلاة القائم».
وهذا الحكم عامّ لجميع الأمّة واختصّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في ذلك عن أمّته بأن جعلت نافلته قاعدا مع القدرة على القيام كنافلته قائما تشريفًا له وتكريمًا.
ففي صحيح مسلم عن عبد اللّه بن عمرو رضي اللّه عنهما؛ قال: حُدّثت أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «صلاة الرّجل قاعدا نصف الصّلاة».
قال فأتيته فوجدته يصلّي جالسا، فوضعت يدي على رأسه.
فقال: «مالك يا عبد اللّه بن عمرو؟» قلت: حدّثت يا رسول اللّه أنّك قلت: صلاة الرّجل قاعدًا على نصف الصّلاة وأنت تصلّي قاعدًا قال: «أجل ولكنّي لست كأحد منكم» (مسلم).
قال النّوويّ وغيره من العلماء: "نافلته صلّى اللّه عليه وسلّم قاعدا مع القدرة ثوابها كثوابه قائما وهو من الخصائص".
6- لا يورّث:
الأنبياء عليهم الصّلاة والسّلام سفراء اللّه إلى عباده وحملة وحيه مهمّتهم إبلاغ رسالات اللّه إلى عباده والدّعوة إلى اللّه وإصلاح النّفوس وتزكيتها وتصحيح الفكر المنحرف والعقائد الزّائفة وإقامة الحج ّة وسياسة الأمّة فلم تكن وظيفتهم اختزان الأموال ولا توريث التّراث.
وإنّما ورّثوا علمًا وشرعًا وبلاغًا للنّاس فذلك ميراثهم وهو خير ميراث.
قال صلّى اللّه عليه وسلّم: «إنّ العلماء ورثة الأنبياء وإنّ الأنبياء لم يورّثوا دينارا ولا درهما، وإنّما ورّثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظّ وافر» (صحيح الجامع).
وهذا من خصائصه صلوات اللّه وسلامه عليه وكذلك الأنبياء عليهم السّلام دون أمّته أنّه لا يورث وأنّ ما تركه صدقة.
قال صلّى اللّه عليه وسلّم: «لا نورث ما تركنا صدقة» (متفق عليه).
قال ابن كثير رحمه اللّه: "وقد أجمع على ذلك أهل الحلّ والعقد ولا التفات إلى خرافات الشّيعة والرّافضة فإنّ جهلهم قد سارت به الرّكبان".
7- أزواجه أمّهات المؤمنين:
شرّف اللّه تبارك وتعالى أزواج نبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم وخصّهنّ بخصائص ليست لغيرهنّ من النّساء إكراما وإجلالا لعبده ورسوله صلّى اللّه عليه وسلّم.
ومن ذلك أن جعلهنّ أمّهات المؤمنين؛ فقال تعالى: {النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ} [الأحزاب:6].
ومعنى هذه الأمومة: الاحترام والتّوقير والإكرام والإعظام والإجلال والطّاعة وتحريم العقوق، ولكن لا تجوز الخلوة بهنّ، ولا ينتشر التّحريم إلى بناتهنّ وأخواتهنّ بالإجماع.
كما حرم نكاحهنّ على الرّجال.
قال تعالى: {وَما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذلِكُمْ كانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيماً} [الأحزاب:53].
وعلى هذا انعقد إجماع العلماء قاطبة أنّ من توفّي عنها رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم من أزواجه أنّه يحرم على غيره تزوّجها من بعده لأنّهنّ أزواجه في الدّنيا والآخرة وأمّهات المؤمنين.
وذلك من خصائصه صلّى اللّه عليه وسلّم الّتي انفرد بها عن أمّته.
8- رؤيته في المنام حقّ:
اختصّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بأنّ من رآه في المنام كان كمن رآه في اليقظة ومنع الشّيطان أن يتصوّر في خلقته لئلّا يكذب على لسانه في النّوم، كما منع أن يتصوّر في صورته في اليقظة إكرامًا له.
فعن أبي هريرة رضي اللّه عنه؛ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «من رآني في المنام فقد رآني فإنّ الشّيطان لا يتمثّل بي» (متفق عليه).
قال القرطبي رحمه الله بعد أن سرد أقوالا كثيرة في معنى الحديث: والصّحيح في تأويل هذا الحديث.
أنّ رؤيته صلّى اللّه عليه وسلّم في كلّ حالة ليست باطلة ولا أضغاثًا بل هي حقّ في نفسها.
وهذا قول القاضي أبي بكر بن الطّيّب وغيره.
وبيّن العلماء رحمهم اللّه أنّ هذه الرّؤيا مشروطة بأن يراه الرّائي على صورته الّتي كان عليها في الحياة الدّنيا والّتي جاءت مفصّلة في الأحاديث.
(من كتاب: نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم)