عنوان الفتوى : كيفية وضع المصحف في المكتبات مع غيره من الكتب
ما حكم وضع المصحف الشريف على رف واحد مع كتب أجنبية قد تحتوي على الكفر أو الفسوق.... علما بأن المصحف موضوع على هذا الرف داخل علبة من الزجاج أو البلاستيك ومحفوظ بالزيت لأجل العرض فقط في مكتبة في إحدى الدول الأوروبية؟ وما حكم وضع المصحف على الرفوف الوسطى، وليس على أعلى رف في المكتبة مع كتب أخرى قد لا تمت للدين بصلة؟. وشكرا.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فكون هذا حاصلا في مكتبة إحدى الدول الأوروبية، يعني أن فاعل هذا ليس بمسلم حتى نخاطبه بما نخاطب به المسلم، والطريقة المذكورة لعرض المصحف ـ وضعه داخل علبة من الزجاج، ومحفوظ بالزيت ـ لا تعد عند هؤلاء القوم من الامتهان، كما لا يخفى.
وأما وجود كتب أخرى على الرف نفسه قد تحتوي الكفر أو الفسوق، فهذا إن فعله مسلم فإنه يُنهَى عنه ويُذَم لأجله، لأن هذا يتعارض مع التعظيم اللائق بالمصحف، وكذلك يُنهى المسلم عن وضع شيء من الكتب فوق المصحف، بل يجعله هو الأعلى، قال الحَلِيمي في باب تعظيم القرآن من شعب الإيمان، وتبعه البيهقي في الشعب أيضا: ومنها ألا يحمل على المصحف كتاب آخر، ولا ثوب ولا شيء خطير ولا حقير، إلا أن يكون مصحفان، فيوضع أحدهما فوق الآخر، فيجوز. اهـ.
وقال الحكيم الترمذي في نوادر الأصول: ومن حرمته إذا وضع الصحيفة ألا يتركه منشورا، وألا يضع فوقه شيئا من الكتب، حتى يكون أبدا عاليا على سائر الكتب. اهـ.
وقد نص بعض أهل العلم على ذلك في كيفية ترتيب الكتب بعضها فوق بعضها، فقال ابن جماعة في تذكرة السامع والمتكلم في أدب العالم والمتعلم: يراعي الأدب في وضع الكتب باعتبار علومها وشرفها ومصنفها وجلالتهم، فيضع الأشرف أعلى الكل، ثم يراعي التدريج، فإن كان فيها المصحف الكريم جعله أعلى الكل، والأولى أن يكون في خريطة ذات عروة في مسمار أو وتد في حائط طاهر نظيف في صدر المجلس، ثم كتب الحديث الصرف كصحيح مسلم، ثم تفسير القرآن، ثم تفسير الحديث، ثم أصول الدين، ثم أصول الفقه، ثم الفقه، ثم النحو والتصريف ثم أشعار العرب ثم العروض فإن استوى كتابان في فن أعلى أكثرها قرآنًا أو حديثًا. اهـ.
وراجعي للفائدة الفتوى رقم: 70739.
وأما وضع المصحف على أحد رفوف الخزانة، ووضع كتب أو شيء آخر على رف أعلى منه، فالأمر فيها أقرب، ما لم يقصد بذلك الإهانة، قال قليوبي في حاشيته على شرح المحلي: يجوز ما لا يشعر بالإهانة... كوضع المصحف في رف خزانة، ووضع نحو ترجيل في رف أعلى منه، ويجوز ضم مصحف إلى كتاب علم مثلا في جلد واحد، ولكل جانب حكمه، ولما قابل كل منهما من الكعب حكمه. اهـ.
وقال البجيرمي في حاشيته على الخطيب: يجوز وضع المصحف في رف خزانة، ووضع نحو ترجيل في رف أعلى منه، ويحرم وضع المصحف على الأرض، بل لابد من رفعه عرفا ولو قليلا. اهـ.
وقال الشرواني في حاشيته على تحفة المحتاج: وقع السؤال عن خزانتين من خشب إحداهما فوق الأخرى كما في خزائن مجاوري الجامع الأزهر، وضع المصحف في السفلى، فهل يجوز وضع النعال ونحوها في العليا؟ فأجاب م ر ـ يعني الرملي ـ بالجواز، لأن ذلك لا يعد إخلالا بحرمة المصحف، قال: بل يجوز في الخزانة الواحدة أن يوضع المصحف في رفها الأسفل ونحو النعال في رف آخر فوقه .. قلت: وينبغي أن مثل ذلك في الجواز ما لو وضع النعل في الخزانة وفوقه حائل كَفَرْوَةٍ، ثم وضع المصحف فوق الحائل، كما لو صلى على ثوب مفروش على نجاسة، أما لو وضع المصحف على خشب الخزانة ثم وضع عليه حائلا ثم وضع النعل فوقه، فمحل نظر ولا يبعد الحرمة، لأن ذلك يعد إهانة للمصحف. اهـ.
وجاء في الفتاوى الهندية: إذا حمل المصحف أو شيئا من كتب الشريعة على دابة في جوالق، وركب صاحب الجوالق على الجوالق: لا يكره، كذا في المحيط. اهـ.
والله أعلم.