عنوان الفتوى : هل يمكن لأرواح الأنبياء والصالحين التواصل مع البشر؟
نحن أسرة على خلق وتدين، ملتزمون بقراءة القرآن والصلاة والتسبيح دائمًا، ومنذ فترة تعرفنا إلى رجل أزهري من أسرة بني هاشم، وأخذ يحدثنا عن كرامات لأخيه الذي دخل الخلوة منذ ثلاثين عامًا، ولا يأكل ولا يشرب، وكان يحدث القطط، ويرى الرؤى وتتحقق، وأخبرته أمي أنها رأت السيدة نفيسة في الرؤيا، فنصحها بزيارتها، وأخذ يحثنا على زيارة قبور آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم: السيدة نفيسة -رضي الله عنها- والحسين -رضي الله عنه- مع الحفاظ على آداب زيارة القبور بإلقاء السلام عليهم، وقراءة الفاتحة، وأن تخبر السيدة نفيسة أنها لبّت دعوتها، وعندما ذهبت أمي سمعت من يهمس في أذنها، وأخبرتها أنها السيدة نفيسة، ونصحتها أن تتقي الله، وتقرأ سور الصافات، والدخان، والمؤمنون، وخرجت، وبعدها بفترة قليلة بدأت تحدث بمثل هذه الأشياء في منزلنا، ووبزيارة الأنبياء، والصحابة، وآل بيت رسول الله، وأن نشعر بهم، وأنا رأيت السيدة نفيسة يقظة مرتين، وهم يتواصلون معنا بالهمس، وينصحوننا بأشياء عديدة –كالصلاة، وقراءة القرآن، وعمل الخير- وعندما سألنا الرجل الأزهري قال: إن ما يحدث معنا صحيح، وأخذ يخبرنا عن مواقف ومعجزات عاصرها مع أخيه، وبعض شيوخ الصوفية، ولكن بقي في القلب شك وريبة؛ لعلمي أنه لا يمكن للأرواح أن تتواصل مع البشر، والأمر بدأ في التطور، وعند زيارة أمي قبور ذويها تواصلوا معها، وأخيرًا أمرونا بالاختلاء ساعة في اليوم، وعبادة الله، ولا أعلم من هم، فهل يمكن لأرواح الأنبياء، والصحابة، وآل البيت أن تتواصل مع البشر؟ وهل هم قرناؤهم؟ وهل هم من الجن ويتلاعبون بنا؟ وهل يمكن رؤية سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقظة بهيئته التي عرف بها، أو الشعور به كروح؟ وهل يمكن أن يتواصل مع البشر؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فشكر الله للأخت السائلة حرصها على دِينها، وخوفها من الفتنة فيه، ونسأل الله تعالى أن يلهمها رشدها، وأن يعيذها من شر كل ذي شر هو آخذ بناصيته.
وأما ما ذكرته، فهو بالفعل باب من أبواب الفتنة في الدِّين، وسبيل من سبل الانحراف عن سبيل السلف الصالح -من الصحابة، ومن سار على نهجهم من التابعين، ومن اتبعهم بإحسان من أئمة العلم الراسخين، كالأئمة الأربعة المتبوعين المرضيين- فلم يَدَّعِ أحد منهم رؤية سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقظة بهيئته التي عرف بها، ولم يتواصل هو صلى الله عليه وسلم، أو غيره من آل بيته الكرام مع أحد منهم بالهمس، أو الكلام، أو غير ذلك، ولم يأمرهم بالتبرك بقبور الأولياء، والصالحين، وإنما هذا من إحداث أتباع الطرق الصوفية، وأثرهم السيئ على الأمة، ويمكنك أن تقفي على شيء من التعريف بالطرق الصوفية في الفتويين رقم: 8500، ورقم: 13742.
وراجعي في التبرك بالأولياء وقبورهم الفتويين رقم: 38327، ورقم: 4973.
وهنا ننبه على أن خوارق العادات لا تقتصر على الصالحين، بل ولا على المسلمين، فقد تحدث للفاجر، والكافر، وراجعي في ذلك الفتاوى التالية أرقامها: 235837، 102085، 173829.
كما ننبه على ضرورة التفريق بين الكرامات الربانية والأحوال الشيطانية، فكلاهما أمر خارق للعادة، ولكن شتان بين أصحاب النوعين في معرفة السنة النبوية والاستقامة عليها، وراجعي في ذلك الفتوى رقم: 118569.
ولشيخ الإسلام ابن تيمية رسالة مفيدة متوفرة على الإنترنت بعنوان: الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان ـ فراجعيها للأهمية، ومما قال فيها: وهؤلاء تأتيهم أرواح تخاطبهم، وتتمثل لهم، وهي جن، وشياطين، فيظنونها ملائكة، كالأرواح التي تخاطب من يعبد الكواكب والأصنام، وهذه الأرواح الشيطانية هي الروح الذي يزعم صاحب الفتوحات أنه ألقى إليه ذلك الكتاب؛ ولهذا يذكر أنواعًا من الخلوات بطعام معين، وشيء معين، وهذه مما تتفتح لصاحبها اتصالًا بالجن، والشياطين، فيظنون ذلك من كرامات الأولياء، وإنما هو من الأحوال الشيطانية، وأعرف من هؤلاء عددًا، ومنهم من كان يحمل في الهواء إلى مكان بعيد ويعود، ومنهم من كان يؤتى بمال مسروق تسرقه الشياطين وتأتيه به، ومنهم من كانت تدله على السرقات بجعل يحصل له من الناس، أو لعطاء يعطونه إذا دلهم على سرقاتهم، ونحو ذلك، ولما كانت أحوال هؤلاء شيطانية، كانوا مناقضين للرسل -صلوات الله تعالى، وسلامه عليهم- كما يوجد في كلام صاحب الفتوحات المكية، والفصوص. اهـ.
وأخيرًا: نلفت نظر الأخت السائلة إلى أن هذه المسائل من الأمور الشائكة التي يحرص على تزييفها، والتلبيس فيها كثير من الناس، ويشنعون على مخالفيهم بالباطل والزور، فلا بدّ لمن أراد الحق أن يجتهد في طلب العلم، ويسأل عن أحوال النبي صلى الله عليه وسلم، وسنته، وسنة خلفائه الراشدين المهديين من بعده، ويعرف هدي الصحابة الكرام ـ رضي الله عنهم ـ وكيفية فهمهم للدِّين، وتطبيقهم له، فهذا هو سبيل العصمة، والفوز برضوان الله تعالى، كما قال عز وجل: وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ {التوبة:100}.
والله أعلم.