عنوان الفتوى : القول الصحيح في كرامات الأولياء

مدة قراءة السؤال : دقيقة واحدة

عندي سؤال هذا نصه: يكثر الحديث عند العوام من الناس عن الأولياء و كراماتهم، و حضورهم عند الشدة و الأزمة عند الاستغاثة بهم و في هذا يحكون قصصا حقيقية تذهل العقول أن الشيخ الفلاني حضر لي و سقاني، و الآخر يقول نجاني من البئر. فالكل يحكي ما حدث له فأستسمح سيادتكم توضيحا مفصلا في هذا الأمر لتبينوا الحق و ترشدوا من خلاله عقولا و تنقذوا أرواحا؟

مدة قراءة الإجابة : 6 دقائق

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

  فالناس في كرامات الأولياء ثلاثة أصناف، فصنف كذب بها وأنكرها وزعم أن كل ما يذكر من ذلك هو من قبيل الشعوذة والدجل، وصنف غالوا في إثباتها وأسرفوا حتى زعموا أن كل خارق للعادة هو من باب الكرامة دون التفات إلى حال الشخص، وكلا الفريقين مخطئ، وهدى الله أهل السنة لما اختلف فيه من الحق بإذنه، فأثبتوا الكرامات للأولياء على الوجه الذي نطقت به نصوص الكتاب والسنة، فإنكار كرامات الأولياء مكابرة للشرع والحس معا، وزعم أن الكرامة هي مجرد خرق العادة باطل من القول، وقد علم أن الشياطين والجن قد أقدرهم الله على كثير مما لا يقدر عليه الإنس من الخوارق، ومن المعلوم أن مقصد الشياطين الأكبر هو إضلال بني آدم وإغواؤهم، وقد دخلوا عليهم من هذا الباب فنشروا الشرك في كثير من المسلمين بما يحدثونه من الخوارق ويوهمون العامة أنه من كرامات الشيخ الفلاني أو الولي الفلاني فيغتر الجهال بذلك حتى يحملهم هذا على دعاء هؤلاء المنسوبين إلى الولاية والصلاح من دون الله فيرتكبون الشرك الأكبر، فإذا بلغ الشيطان هذه الغاية منهم فيا قرة عينه بذلك، وقد بين شيخ الإسلام رحمه الله هذا المعنى، وأن الشياطين دخلت في هذا الباب لتلبس على الناس وتفسد عليهم دينهم.

قال رحمه الله: فصار كثير من الناس لا يعلمون ما للسحرة والكهان وما يفعله الشياطين من العجائب وظنوا أنها لا تكون إلا لرجل صالح؛ فصار من ظهرت هذه له يظن أنها كرامة فيقوى قلبه بأن طريقته هي طريقة الأولياء، وكذلك غيرهم يظن فيه ذلك ثم يقولون: الولي إذا تولى لا يعترض عليه. فمنهم من يراه مخالفا لما علم بالاضطرار من دين الرسول مثل ترك الصلاة المفروضة وأكل الخبائث كالخمر والحشيشة والميتة وغير ذلك، وفعل الفواحش والفحش والتفحش في المنطق، وظلم الناس، وقتل النفس بغير حق، والشرك بالله وهو مع ذلك يظن فيه أنه ولي من أولياء الله قد وهبه هذه الكرامات بلا عمل فضلا من الله تعالى، ولا يعلمون أن هذه من أعمال الشياطين وأن هذه من أولياء الشياطين تضل بها الناس وتغويهم. ودخلت الشياطين في أنواع من ذلك فتارة يأتون الشخص في النوم يقول أحدهم: أنا أبو بكر الصديق وأنا أتوبك لي وأصير شيخك وأنت تتوب الناس لي، ويلبسه فيصبح وعلى رأسه ما ألبسه فلا يشك أن الصديق هو الذي جاءه ولا يعلم أنه الشيطان، وقد جرى مثل هذا لعدة من المشايخ بالعراق والجزيرة والشام، وتارة يقص شعره في النوم فيصبح فيجد شعره مقصوصا وتارة يقول: أنا الشيخ فلان فلا يشك أن الشيخ نفسه جاءه وقص شعره. وكثيرا ما يستغيث الرجل بشيخه الحي أو الميت فيأتونه في صورة ذلك الشيخ وقد يخلصونه مما يكره فلا يشك أن الشيخ نفسه جاءه أو أن ملكا تصور بصورته وجاءه، ولا يعلم أن ذلك الذي تمثل إنما هو الشيطان لما أشرك بالله أضلته الشياطين والملائكة لا تجيب مشركا. وتارة يأتون إلى من هو خال في البرية وقد يكون ملكا أو أميرا كبيرا ويكون كافرا وقد انقطع عن أصحابه وعطش وخاف الموت فيأتيه في صورة إنسي ويسقيه ويدعوه إلى الإسلام ويتوبه، فيسلم على يديه ويتوبه ويطعمه ويدله على الطريق ويقول: من أنت؟ فيقول: أنا فلان ويكون من مؤمني الجن. كما جرى مثل هذا لي. كنت في مصر في قلعتها، وجرى مثل هذا إلى كثير من الترك من ناحية المشرق وقال له ذلك الشخص أنا ابن تيمية فلم يشك ذلك الأمير أني أنا هو وأخبر بذلك ملك ماردين وأرسل بذلك ملك ماردين إلى ملك مصر رسولا وكنت في الحبس؛ فاستعظموا ذلك وأنا لم أخرج من الحبس ولكن كان هذا جنيا يحبنا فيصنع بالترك التتر مثل ما كنت أصنع بهم؛ لما جاءوا إلى دمشق: كنت أدعوهم إلى الإسلام فإذا نطق أحدهم بالشهادتين أطعمتهم ما تيسر فعمل معهم مثل ما كنت أعمل، وأراد بذلك إكرامي ليظن ذاك أني أنا الذي فعلت ذلك. قال لي طائفة من الناس: فلم لا يجوز أن يكون ملكا؟ قلت: لا. إن الملك لا يكذب، وهذا قد قال أنا ابن تيمية وهو يعلم أنه كاذب في ذلك. وكثير من الناس رأى من قال إني أنا الخضر وإنما كان جنيا. ثم صار من الناس من يكذب بهذه الحكايات إنكارا لموت الخضر والذين قد عرفوا صدقها يقطعون بحياة الخضر وكلا الطائفتين مخطئ، فإن الذين رأوا من قال إني أنا الخضر هم كثيرون صادقون والحكايات متواترات؛ لكن أخطئوا في ظنهم أنه الخضر وإنما كان جنيا. انتهى كلامه رحمه الله.

وبه يتبين لك وجه ما ذكرت مما يحصل إن كان المخبر صادقا، وأن من دعا غير الله واستغاث به فقد ارتكب الشرك الأكبر عياذا بالله، قال تعالى: وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ {فاطر:13}. إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ {فاطر:14}.

وأن من اعتقد أن غير الله يكشف الضر ويجيب المضطر فقد أشرك بالله تعالى، قال عز وجل: أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ {النمل:62}. وأن من حصل له شيء من النفع بدعائه غير الله فإنما هي الشياطين أتته به تلبيسا عليه ومدا له في الغي.

 والله أعلم.