عنوان الفتوى : إذا اشترط الزوج في العقد شرطًا ثم سمح لزوجته بشيء منه، فهل يسقط الشرط؟
اذا اشترط الزوج في عقد النكاح شرطًا ثم سمح لزوجته بشيء منه فهل يسقط الشرط؟ فمثلا لو اشترط عليها ان لا تعمل ثم سمح لها بالعمل فهل له ان يمنعها بعد ذلك من العمل ام يسقط هذا الشرط بمجرد سماحه لها بالعمل؟
الحمد لله.
أولا:
الحقوق نوعان: حقوقٌ تثبت بالعقد، وحقوقٌ تثبت بالشَّرط.
فالأول: حقوق تتثبت بالعقد.
أي أن التعاقد هو الذي أثبت الحق، وجعله لازمًا على الطرف الثاني.
فعقد الزواج يُثبت لكل من الزوجين حقوقًا على الآخر، وهي حقوق واجبة لازمة لا يسع التنصل منها إلا بانحلال عقد الزواج بطلاق أو فسخ أو موت.
فحق "النفقة"، و"المسكن"، "والمعاشرة بالمعروف"، و"المهر"... كلها حقوق ثبتت للزوجة بسبب عقد الزواج.
وحق "القوامة"، "والتمكين من الاستمتاع"، و"الاحتباس لحق الزوج" ... كلها حقوق ثبتت للزوج بسبب عقد الزواج.
والاحتباس هو اللُّبْث والمقام في بيت الزوجية، وعدم الخروج منه دون إذن الزوج.
الثاني: حقوق تثبت بالشرط.
ولولا وجود الشرط لما ثبت هذا الحق.
ومن ذلك:
أن تشترط الزوجة على زوجها أن لا يسافر بها، أو لا يتزوج عليها، أو أن لا يمنعها من الخروج للدراسة، ونحو ذلك.
أو يشترط عليها خدمة أمه، أو رعاية أولاده من زوجة سابقة، أو السكنى مع أهله، ونحو ذلك.
ثانيًا:
الأصل في الحقوق الشخصية الثابتة بالعقد -من حيث الجملة- أنها تقبل الإسقاط، فمن أسقط حقًا من الحقوق الثابتة بالعقد: سقط، وليس له المطالبة به مرة أخرى.
ولكن يستثنى من ذلك نوعان من الحقوق:
1-الحق الذي جعله الشرع وصفًا ذاتيًا لصاحبه لازمًا له، لا ينفك عنه، مثل: حق "القوامة" للرجل وحق "الطلاق"، وحق "النسب" للطفل، وحق "ولاية النكاح" لعصبة المرأة، وحق السكنى في بيت العدة للمرأة.
فهذه الحقوق ونحوها لا تقبل الإسقاط؛ لأن إسقاطها تغييرٌ للأوضاع الشرعية.
2-الحق الذي يتجدد يومًا، فيوما، كحق "النفقة" و"الاستمتاع"، و"المسكن" و"القسم"، فهذه يصح الإسقاط فيها عمَّا ثبت واستقر، ولا يكون لازمًا عمَّا يُستقبل من الأيام.
ولذا؛ إذا تنازل أحد الزوجين عن حقه في شيء منها: صح هذا التنازل وصار لازما في الحق السابق والحاضر، أما فيما يُستقبل من الزمن، فله أن يرجع ويطالب به.
فإذا أسقطت الزوجة حقها من النفقة سقط عن يومها ذلك، لكن لها أن ترجع وتطالب به فيما يستقبل من الأيام؛ وذلك لأن النفقة المستقبلية لم تثبت في ذمة الزوج بعد حتى يتم إسقاطها.
قال البغوي: "أما إذا أعسر بالنفقة، فرضيت بإعساره، واختارت المقام معه على الإعسار، ثم بدا لها أن تفسخ-: فلها ذلك؛ لأنه حق يتجدد كل يوم". انتهى من "التهذيب" (6/359).
وقال الحصكفي: "ولو تركت قِسمها -بالكسر: أي نوبتها- لضرتها: صح، ولها الرجوع في ذلك في المستقبل؛ لأنه ما وجب؛ فما سقط". انتهى من "الدر المختار" (ص201)
فحقها في القسم والنفقة والمسكن يثبت شيئًا فشيئًا، فلا يسقط في المستقبل.
وفي الموسوعة الفقهية الكويتية (4/254): "والإسقاط يقع على الكائن المستحق، وهو الذي إذا سقط لا يعود، أما الحق الذي يثبت شيئًا فشيئًا، أي يتجدد بتجدد سببه، فلا يرِد عليه الإسقاط، لأن الإسقاط يؤثر في الحال دون المستقبل". انتهى من "الموسوعة الفقهية الكويتية" (4/255)
ثالثا:
إذا شرط أحد الزوجين على الآخر عند العقد إسقاط أحد حقوقه الثابتة بالعقد القابلة للإسقاط، ورضي بذلك: ففي هذه الحال يلزم الوفاء به، ولا يجوز الرجوع في هذا الإسقاط ولو كان حقًا متجددا في أرجح قولي العلماء؛ لأن "مقاطع الحقوق عند الشروط" كما قال الفاروق عمر بن الخطاب.
وكذا لو كان الإسقاط من باب الصلح بين الزوجين صار لازمًا؛ لأن هذا لم يعد إسقاطًا محضًا.
قال الشيخ ابن عثيمين: "يَجوز للإنسان أن يَرجِع في حَقِّه بعد إسقاطه؛ لقوله تعالى: وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكَ.
هذا إذا كان الحَقُّ مُتَجدِّدًا.
أمَّا إذا كان الحَقُّ غيرَ مُتجَدِّد، فإن الإنسان إذا أَسقَطه، لا يَملِك الرُّجوع فيه.
مِثال ذلك: أَسقَطَتِ المرأة نَصيبَها أو حقَّها من نفَقة ماضية، بأن يَكون الزوج قد ترَك الإِنْفاق عليها لمُدَّة سَنَة، فأَسقَط الحقَّ، فليس لها رُجوع؛ لأن الحقَّ هنا غَيرُ مُتجَدِّد، بل هو في شيء مضَى.
أمَّا إذا أَسقَطَتِ المرأة حَقَّها من القَسْم، فلها أن تَرجِع؛ لأن حقَّها يَتَجدَّد.
اللَّهُم إلَّا أَنْ يَكون ذلك مَشروطًا في العَقْد، بأَنْ شَرَط الزوجُ على زوجته الجديدةِ ألَّا يَقسِم لها فقَبِلَت، ففي هذه الحالِ لا تمَلِك الرُّجوع؛ لأنه صار شَرْطًا في العَقْد.
والشَّرْط في العَقْد يَجِب الوفاء به؛ لدُخوله في عُموم قوله تعالى: يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ، بخِلاف ما لو أَسقَطَتْه بعد العَقْد، فإن هذا إِسقاط لها أَنْ تَرجِع فيه؛ لأنها لا تمَلِك إسقاط المُستَقبَل".
انتهى من "تفسير العثيمين: الأحزاب" (ص399).
وذكر ابن القيم أن الرجل إذا عجز عن حقوق زوجته أو كرهتها نفسه فله "أن يخيِّرها إن شاءت أقامت عنده ولا حقَّ لها في القَسْم والوطء والنَّفقة، أو في بعض ذلك، بحسب ما يصطلحان عليه، فإذا رضيت بذلك: لزم، وليس لها المطالبة به بعد الرِّضى".
ثم قال: "هذا موجب السُّنَّة ومقتضاها، وهو الصَّواب الذي لا يسوغُ غيرُه.
وقولُ مَن قال: إنَّ حقَّها يتجدَّد، فلها الرُّجوع في ذلك متى شاءت: فاسدٌ، فإنَّ هذا خرج مخرج المعاوضة، وقد سمَّاه الله سبحانه: صُلحًا، فيلزم كما يلزم ما صالح عليه من الحقوق والأموال.
ولو مُكِّنت من طلب حقِّها بعد ذلك، لكان فيه تأخير الضَّرر إلى أكمل حالتيه، ولم يكن صُلحًا، بل كان مِن أقرب أسباب المعاداة، والشَّريعةُ منزَّهةٌ عن ذلك، ومن علامات المنافق أنَّه إذا وعد أخلَف وإذا عاهد غدر، والقضاء النَّبويُّ يردُّ هذا". انتهى من "زاد المعاد" (5/212).
وينظر جواب السؤال (289574).
رابعا:
الحقوق الثابتة بالشرط، إن أسقط صاحب الحق حقَّه في هذا الشرط، أو صدر منه ما يدل على الرضا بعد الإخلال بالشرط: فقد سقط حقه فيه.
وليس له أن يعود فيطالب بحقه فيه بعد ذلك؛ لأن القاعدة عند العلماء أن "الساقط لا يعود".
ومعنى ذلك: أن صاحب الشرط إذا أسقط شرطه: فقد سقط، ولا يمكنه الرجوع في هذا الإسقاط.
قال الشيخ أحمد الزرقا في شرح القواعد الفقهية (ص264):" ما يقبل السقوط من الحقوق: إذا سقط منه شيء بمسقط، فإنه لا يعود بعد سقوطه، وكما أن المعدوم لا يعود، والساقط أصبح معدومًا بعد سقوطه فلا يعود" انتهى.
فلو شرطت الزوجة على زوجها أن لا يسافر بها، ثم أسقطت هذا الشرط: فقد سقط، وله أن يسافر بها، وليس لها أن تطالب بهذا الحق بعد سقوطه.
ولو شرط عليها رعاية أولاده من زوجة سابقة، ثم أسقط هذا الشرط، فليس له أن يلزمها به بعد ذلك.
ولو شرط عليها السكنى مع أهله، ثم تنازل عن هذا الشرط، فليس له إلزامها به بعد ذلك.
وذكر البهوتي في كشاف القناع أن الزوج إذا أخل بالشرط فلها حق الفسخ، وهذا الحق لا يسقط إلا إذا صدر منها "ما يدل على الرضا.. من قولٍ أو تمكينٍ منها، مع العلم بفعله ما شرطت أن لا يفعله". انتهى، "كشاف القناع" (5/91).
خامسا:
تفرغ المرأة لشؤون زوجها وأولادها وملازمة بيتها من الحقوق الثابتة بالعقد، ولا يحتاج الرجل إلى شرطٍ لإثبات هذا الحق.
فليس للمرأة بعد الزواج أن ترتبط بعقد عمل يستلزم خروجها من بيت الزوجية دون إذن زوجها.
قال النووي في "روضة الطالبين" (7/344): "النكاح مناط حقوق الزوج على الزوجة، كالطاعة وملازمة المسكن".
وقال ابن قدامة في "الكافي" (3/82): "وله منعها من الخروج من منزله، إلا لما لا بد لها منه؛ لأن حق الزوج واجب، فلا يجوز تركه بما ليس بواجب".
وقال القرافي في "الذخيرة" (5/409): "وليس لذات الزوج إجارة نفسها إلا بإذنه؛ لاشتغالها بذلك عنه".
وقال البهوتي رحمه الله: " ولا تؤجِر المرأة نفسها بعد عقد النكاح عليها، بغير إذن زوجها؛ لتفويت حق الزوج " انتهى من "الروض المربع"(ص271).
وأما العمل الذي لا يستلزم خروجها من بيتها، ولا يؤدي إلى تقصيرها في حقوق زوجها، كالخياطة، والنسج، أو العمل من خلال الإنترنت: فلا يشترط إذن الزوج فيه، وليس من حقه منعها منه.
قال ابن الصلاح: "وَلَيْسَ لَهُ منعهَا من الْخياطَة والرقم والغزل وَنَحْوهَا فِي منزله". انتهى من "فتاوى ابن الصلاح" (2/ 453)، ومثله في "أسنى المطالب في شرح روض الطالب" (3/430).
وقال ابن عابدين: "والذي ينبغي تحريره: أن يكون له منعها عن كل عمل يؤدي إلى تنقيص حقه، أو ضرره، أو إلى خروجها من بيته.
أما العمل الذي لا ضرر له فيه: فلا وجه لمنعها عنه؛ خصوصا في حال غيبته من بيته، فإن ترك المرأة بلا عمل في بيتها يؤدي إلى وساوس النفس والشيطان، أو الاشتغال بما لا يعني مع الأجانب والجيران". انتهى من "حاشية ابن عابدين (3/603).
وكذا ذكر الشيخ ابن عثيمين أن الممنوع أن تؤجر المرأة نفسها للعمل عند الآخرين دون إذن زوجها، وأما إذا كانت الإجارة على عمل تقوم به من بيتها فليس له منعها من هذا العمل، إلا إذا قصَّرت في حقه.
فقال: "وقوله: (من إجارة نفسها) يفهم منه أنها لو استُؤجرت على عمل، بأن تكون امرأة خياطة مثلاً، وصارت تخيط للناس بأجرة في بيتها، فليس له منعها، إلا إذا رأى في ذلك تقصيراً منها في حقه فله المنع.
فصارت المرأة إن أجَّرت نفسها فله منعها مطلقاً، حتى لو قالت: أنا أريد أن أؤجر نفسي ما دمت غائباً عن البلد، فله منعها...
أما إذا استؤجِرت على عمل وهي في بيت زوجها، فليس له المنع، إلا إذا قصرت في حقه فله منعها". انتهى من "الشرح الممتع" (12/425)
وقال: "لو استؤجرت على عمل مشترك، بمعنى أجرناها ـ مثلاً ـ أن تخيط ثوباً، أو تخصف نعلاً، أو ترقع ثوباً، أو ما أشبه ذلك فهنا لم تؤجر نفسها؛ لأن المستأجر لها لا يملكها، إنما استأجرها على عمل، وهذا فيه تفصيل: إن كان يشغلها عن حقوق زوجها فإنه لا يحل لها إلا بإذن الزوج، وإن كان لا يشغلها فلا بأس.
فإذا قدرنا أن هذه المرأة لها زوج موظف في أول النهار ليس موجوداً عندها، واستؤجرت لخياطة ثوب تخيطه في وقت غيابه عن البيت دون أن تقصر في أعمال البيت: فإن هذا جائز؛ لأنه ليس على الزوج ضرر في هذا، وكذلك لو كان الزوج غائباً، واستؤجرت لتخيط ثوباً أو تغسله أو ما أشبه ذلك فلا بأس؛ لأنه في هذه الحال لا يضيع شيء من حق الزوج". انتهى من "الشرح الممتع" (10/22).
سادسًا:
اشتراط الرجل عدم عمل زوجته في وظيفة: ليس إنشاء لحق جديد لم يثبت إلا بالشرط؛ بل هو تأكيد لحقه الثابت بمجرد العقد، وتذكير به، وإعلام بكونه رافضًا لعملها خارج البيت إن كانت موظفة.
ولذا: فيبقى هذا الحق ثابتًا للرجل، إن شاء أسقطه وأذن لها بالعمل، وإن شاء لم يأذن لها بذلك، وإذا أسقط هذا الحق وأذن لها بالعمل، فله أن يرجع عن هذا متى شاء؛ لأنَّه حقٌّ متجددٌ ، لا يثبت الإسقاط في المستقبل منه؛ وإنما يسقط الحاضر، أو الماضي، متى أسقطه.
جاء في القرار رقم (144) لـمجمع الفقه الإسلامي الدولي في دورته السادسة عشرة: "يجوز للزوج أن يطلب من الزوجة ترك العمل بعد إذنه به، إذا كان الترك في مصلحة الأسرة والأولاد" انتهى.
وقال الشيخ الدكتور عبد السلام الشويعر: "الأصل أن الإذن هو الإباحة للفعل بعد الحظر، والأصل فيه جواز الرجوع في الإباحة مِن قِبَل المُبيح; لأن الإذن تبرعٌ، والتبرعات يجوز الرجوع فيها مَا لم يترتب عليها أثر; كالاستهلاك، أو القبض، ونحوه.
وأمّا ما يتجدد فإنه يجوز الرجوع في الإذن في المستقبل.
ومِن ذلك إذن الزوج لزوجته بالعمل فإن هذا الإذن يتعلّق به وجوب النفقة عليه، وكما أن الفقهاء يرون أن النفقة مجزأة بالأيام، فيُعدّ كُل يوم منها منفصلًا عن ما بعدَه، فيجوز الإذن فيها دون ما بعدَها". انتهى من "أثر عمل المرأة في النفقة الزوجية" (ص49)
ويستثنى من ذلك: أن تكون هي قد اشترطت عليه عند العقد أن تعمل ورضي بذلك، ففي هذه الحال يكون قد أسقط حقه الثابت بالعقد، ويلزمه الوفاء بما شُرط عليه.
جاء في القرار (144) لمجمع الفقه الإسلامي: "يجوز للزوجة أن تشترط في عقد الزواج أن تعمل خارج البيت، فإن رضى الزوج بذلك: ألزم به، ويكون الاشتراط عند العقد صراحة".انتهى من "قرارات مجمع الفقه الإسلامي" (ص: 269)
وفي فتاوى نور على الدرب للشيخ ابن باز (21/154) حول مسألة عمل المرأة: "فالواجب طاعة زوجها في هذا، وأن تبقى في بيتها، إلا إذا كانت قد شرطت عليه عند العقد أنها تبقى في عملها، كتدريس، أو تمريض أو نحو ذلك، فالمسلمون على شروطهم، إلا أن تسمح هي، وتترك العمل بنفسها، وأما إذا كانت لم تشترط هذا، فلا حق لها في العمل إلا بإذنه، والله ولي التوفيق". انتهى.
وينظر للفائدة جواب السؤال (217975)
سابعا:
مع الإقرار بحق الرجل في التراجع عن الإذن بالعمل إذا لم يكن مشروطًا عليه في العقد، إلا أنه ليس من حقه التعسُّف في استعمال هذا الحق.
وصُورة التعسف هنا: أن يكون مقصدُه من التراجع عن الإذن بعملها ليس مَصلحةَ الأسرةِ، أو مصلحة الزوج نفسه بتحصيل التمكين، وإنما أراد معنى آخر غيرَ معتبر شرعًا وليس حقًّا له; مثل قصده الإضرار والنكاية بالمرأة، أو بقصد التضييق عليها، كتفويت مكافأة نهاية الخدمة عليها، أو الراتب التقاعدي، أو لأجل أن يساومها على المعاوضة على الإذن، أو للمساومة على بعض الحقوق الواجبة عليه لتُسقطها، ونحو ذلك من الأغراض الممنوعة.
قال الشيخ الدكتور عبد السلام الشويعر: "وهذا التعسف في استعمال الحقّ محرّمٌ شرعًا ولا شك; يدلّ عليه قول اللهِ تعالى: وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ، وقوله تعالى: وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ.
فهذه الآيات تنهى عن مضارةِ المرأة بقصدِ إيذائها أو تحصيل أمرٍ ممنوع شرعًا منها، وهذه المُضارة عامةٌ في نوعها وفي الغاية المقصودة منها، فتدخل فيها صورة التعسف في الرجوع عن الإذن في عمل المرأة خارج منزلها". انتهى من بحث "أثر عمل المرأة في النفقة الزوجية" (ص52)
وجاء في القرار (144) لمجمع الفقه الإسلامي: "لا يجوز للزوج أن يسيء استعمال الحق بمنع الزوجة من العمل أو مطالبتها بتركه إذا كان بقصد الإضرار، إلا إذا ترتب على ذلك مفسدة وضرر يربو على المصلحة المرتجاة منه.
وينطبق هذا على الزوجة إذا قصدت من البقاء في عملها الإضرار بالزوج أو الأسرة أو ترتب على عملها ضرر يربو على المصلحة المرتجاة منه". انتهى من "قرارات مجمع الفقه الإسلامي" (ص269).
والحاصل:
أن الحق الثابت بالعقد إن كان متجددًا تجوز المطالبة به بعد إسقاطه إلا إذا شُرط الإسقاط عند التعاقد أو تم الصلح بين الزوجين على الإسقاط.
وللرجل منع زوجته من العمل خارج البيت، وله الإذن لها ثم الرجوع في هذا الإذن لأنه حق متجدد، لكن إذا شرط عليه ذلك في عقد الزواج فليس له منعها إلا أن تسقط هي هذا الحق.
والله أعلم.