عنوان الفتوى : مبتدأة انقطعت استحاضتها قبل أيام من حيضها التالي، فماذا تفعل؟

مدة قراءة السؤال : دقيقة واحدة

كما تعلمون أن المستحاضة تعمل بعادتها بالشهر التالي، لكن ما الحكم إذا توقفت الاستحاضة أو الصفره قبل مجيء الحيضة التالية؟ وكم يجب أن يكون مدة الطهر بين انقطاعها الاستحاضة، ومجيء الحيض حتى نتمكن من العمل باعتبار كل الدم في زمن الإمكان حيض، وأترك العمل بحكم المستحاضة العمل بعادتها فقط)؟

مدة قراءة الإجابة : 13 دقائق

الحمد لله.

أولا:

المستحاضة في تحديد أيام حيضها، لها ثلاث حالات:

الحالة الأولى:

من حاضت من قبل، وتعلم لنفسها عادة في حيضها، فهذه تحدد أيام حيضها بحسب عادتها.

عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ أَبِي حُبَيْشٍ، سَأَلَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ: إِنِّي أُسْتَحَاضُ فَلاَ أَطْهُرُ، أَفَأَدَعُ الصَّلاَةَ، فَقَالَ: (لاَ إِنَّ ذَلِكِ عِرْقٌ، وَلَكِنْ دَعِي الصَّلاَةَ قَدْرَ الأَيَّامِ الَّتِي كُنْتِ تَحِيضِينَ فِيهَا، ثُمَّ اغْتَسِلِي وَصَلِّي) رواه البخاري (325)، ومسلم (333).

وعَنْ عَائِشَةَ، أَنَّهَا قَالَتْ: إِنَّ أَمَّ حَبِيبَةَ، سَأَلَتْ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الدَّمِ؟ فَقَالَتْ عَائِشَةُ: رَأَيْتُ مِرْكَنَهَا مَلْآنَ دَمًا. فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (امْكُثِي قَدْرَ مَا كَانَتْ تَحْبِسُكِ حَيْضَتُكِ، ثُمَّ اغْتَسِلِي وَصَلِّي) رواه مسلم (334).

الحالة الثانية:

من ليس لها عادة ثابتة، لكنها تستطيع أن تميّز بين دم حيضتها ودم استحاضتها، فهذه تعمل بهذا التمييز، فإذا توقف دم الحيض الذي تعرفه بلونه أو بسماكته أو برائحته، فما بعده يعد دم استحاضة.

لما رواه ابن أبي شيبة في "المصنف" (2 /274)، والدارمي في "السنن" (827) وغيرهما بإسناد صحيح: عَنْ أَنَسِ بْنِ سِيرِينَ، قَالَ: اسْتُحِيضَتِ امْرَأَةٌ مِنْ آلِ أَنَسٍ، فَأَمَرُونِي فَسَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ؟ فَقَالَ: (أَمَّا مَا رَأَتِ الدَّمَ الْبَحْرَانِيَّ: فَلاَ تُصَلِّي، وَإِذَا رَأَتِ الطُّهْرَ وَلَوْ سَاعَةً مِنَ النَّهَارِ: فَلْتَغْتَسِلْ وَتُصَلِّي)، وصححه محققو الكتابين.

قال ابن رجب رحمه الله تعالى:

" ولعل ابن عباس أراد أن المستحاضة إذا كانت مميزة جلست زمن دمها الأسود، فإذا انقطع الأسود، ولو ساعة، فإنه زمن طهرها، فتغتسل وتصلي حينئذ.

وقد حمله إسحاق بن راهويه على مثل هذا، فقال في رواية حرب في استدلاله على اعتبار التمييز للمستحاضة بحديث: ( إذا كان دم الحيض، فإنه أسود يعرف ) الحديث، قال: وكذلك روي عن ابن عباس، أنه قال لامرأة مستحاضة: أما ما دامت ترى الدم البحراني فلتدع الصلاة، فإذا جاوزت ذلك اغتسلت وصلت.

وكذلك وقع في كلام الإمام أحمد في رواية الشالنجي حمل كلام ابن عباس على مثل هذا.

وهو يرجع إلى أن المستحاضة تعمل بالتمييز، فتجلس زمن الدم الأسود، فإذا انقطع عنها ورأت حمرة أو صفرة أو كدرة، فإن ذلك طهرها، فتغتسل حينئذ وتصلي. والله أعلم" انتهى من "فتح الباري" (2/ 178-179).

وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى:

" للمستحاضة ثلاثة حالات ...

الحالة الثانية: أن لا يكون لها حيض معلوم قبل الاستحاضة، بأن تكون الاستحاضة مستمرة بها من أول ما رأت الدم من أول أمرها، فهذه تعمل بالتمييز، فيكون حيضها ما تميّز بسواد أو غِلْظَة أو رائحة يثبْتُ له أحكام الحيض، وما عداه استحاضة يثبتُ له أحكام الاستحاضة.

مثال ذلك: امرأة رأتْ الدم في أول ما رأتهُ، واستمر عليها لكن تراهُ عشرة أيام أسْوَد وباقي الشهر أحمر. أو تراهُ عشرة أيام غَليظًا وباقي الشهر رقيقًا. أو تراهُ عشرة أيام له رائحة الحيض وباقي الشهر لا رائحة له؛ فحيضها الأسود في المثال الأول، والغليظ في المثال الثاني، وذو الرائحة في المثال الثالث، وما عدا ذلك فهو استحاضة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم لفاطمة بنت أبي حبيش: ( إذا كان دم الحيضة فإنه أسودَ يُعْرَفُ، فإذا كان ذلك فأمسكي عن الصلاة فإذا كان الآخر فتوضئي وصليِّ؛ فإنما هو عِرْق ). رواه أبو داود والنسائي، وصححه ابن حبان والحاكم. وهذا الحديث، وإن كان في سنده ومتنه نظر، فقد عَمِلَ به أهل العلم رحمهم الله، وهو أوْلى من ردِّها إلى عادة غالب النساء" انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (11/ 321–322).

الحالة الثالثة:

أن لا تكون لها عادة ولا تمييز، فهذه تجلس مثل عادة نساء أهلها، أو عادة عامة النساء.

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ طَلْحَةَ، عَنْ عَمِّهِ عِمْرَانَ بْنِ طَلْحَةَ، عَنْ أُمِّهِ حَمْنَةَ بِنْتِ جَحْشٍ قَالَتْ: كُنْتُ أُسْتَحَاضُ حَيْضَةً كَثِيرَةً شَدِيدَةً، فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْتَفْتِيهِ وَأُخْبِرُهُ... قَالَ لَهَا: (إِنَّمَا هَذِهِ رَكْضَةٌ مِنْ رَكَضَاتِ الشَّيْطَانِ فَتَحَيَّضِي سِتَّةَ أَيَّامٍ أَوْ سَبْعَةَ أَيَّامٍ فِي عِلْمِ اللَّهِ، ثُمَّ اغْتَسِلِي حَتَّى إِذَا رَأَيْتِ أَنَّكِ قَدْ طَهُرْتِ، وَاسْتَنْقَأْتِ فَصَلِّي ثَلَاثًا وَعِشْرِينَ لَيْلَةً أَوْ أَرْبَعًا وَعِشْرِينَ لَيْلَةً وَأَيَّامَهَا وَصُومِي، فَإِنَّ ذَلِكَ يَجْزِيكِ، وَكَذَلِكَ فَافْعَلِي فِي كُلِّ شَهْرٍ كَمَا تَحِيضُ النِّسَاءُ، وَكَمَا يَطْهُرْنَ، مِيقَاتُ حَيْضِهِنَّ وَطُهْرِهِنَّ) رواه أبو داود (287) والترمذي (128)، وقال: " هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.... وَسَأَلْتُ مُحَمَّدًا – البخاري - عَنْ هَذَا الحَدِيثِ، فَقَالَ: هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ. وَهَكَذَا قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ " انتهى.

لكن نقل أبو داود توهين الإمام أحمد له، حيث قال بعد أن ساق الحديث: " سَمِعْت أَحْمَدَ يَقُولُ: حَدِيثُ ابْنِ عَقِيلٍ فِي نَفْسِي مِنْهُ شَيْءٌ " انتهى.

والحديث مختلف في صحته، وعمل به جمع من أهل العلم.

قال الترمذي عقب الحديث:

" وقال أحمد، وإسحاق في المستحاضة: إذا كانت تعرف حيضها بإقبال الدم وإدباره، وإقباله أن يكون أسود، وإدباره أن يتغير إلى الصفرة، فالحكم لها على حديث فاطمة بنت أبي حبيش، وإن كانت المستحاضة لها أيام معروفة قبل أن تستحاض، فإنها تدع الصلاة أيام أقرائها، ثم تغتسل وتتوضأ لكل صلاة وتصلي.

وإذا استمر بها الدم ولم يكن لها أيام معروفة ولم تعرف الحيض بإقبال الدم وإدباره، فالحكم لها على حديث حمنة بنت جحش " انتهى.

وقال ابن تيمية رحمه الله تعالى:

" والمستحاضة ترد إلى عادتها، ثم إلى تمييزها، ثم إلى غالب عادات النساء، كما جاء في كل واحدة من هؤلاء سنة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد أخذ الإمام أحمد بالسنن الثلاث... " انتهى من "مجموع الفتاوى" (19/239).

وقال رحمه الله تعالى:

" وفي المستحاضة عن النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث سنن: سنة في العادة كما تقدم، وسنة في المميزة وهو قوله: (دم الحيض أسود يعرف)، وسنة في غالب الحيض وهو قوله: ( تحيضي ستا أو سبعا ثم اغتسلي وصلي ثلاثا وعشرين، أو أربعا وعشرين، كما تحيض النساء ويطهرن لميقات حيضهن وطهرهن).

والعلماء لهم في الاستحاضة نزاع؛ فإن أمرها مشكل لاشتباه دم الحيض بدم الاستحاضة، فلا بد من فاصل يفصل هذا من هذا.

والعلامات التي قيل بها ستة:

إما العادة، فإن العادة أقوى العلامات؛ لأن الأصل مقام الحيض دون غيره.

وإما التمييز؛ لأنه الدم الأسود والثخين المنتن أولى أن يكون حيضا من الأحمر.

وإما اعتبار غالب عادة النساء؛ لأن الأصل إلحاق الفرد بالأعم الأغلب.

فهذه العلامات الثلاث تدل عليها السنة والاعتبار " انتهى من "مجموع الفتاوى" (21/ 630 – 631).

ثانيا:

والمبتدأة التي أول ما رأت دم الحيض، استمر معها الدم؛ فهذه يحكم عليها أنها مستحاضة إذا كان الدم مستغرقا لجميع الشهر أو قريبا من ذلك، على قول من قال : إن الحيض لا حد لأكثره.

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى:

" الاستحاضة: استمرار الدم على المرأة، بحيث لا ينقطع عنها أبدا، أو ينقطع عنها مدة يسيرة كاليوم واليومين في الشهر.

فدليل الحالة الأولى التي لا ينقطع الدم فيها أبدا: ما ثبت في صحيح البخاري عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: ( قَالَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ أَبِي حُبَيْشٍ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي لَا أَطْهُرُ . وفي رواية: إِنِّي أُسْتَحَاضُ فَلاَ أَطْهُرُ ) .

ودليل الحالة الثانية، التي لا ينقطع الدم فيها إلا يسيرا: حديث حمنة بنت جحش حيث جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: ( يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أُسْتَحَاضُ حَيْضَةً كَثِيرَةً شَدِيدَةً ) . الحديث رواه أحمد وأبو داود والترمذي وصححه ونقل عن الإمام أحمد تصحيحه وعن البخاري تحسينه" انتهى من "مجموع فتاوى ورسائل الشيخ ابن عثيمين" (11/321).

فعلى هذا لا يوجد زمن محدد بين انقطاع الاستحاضة وبداية الحيض التالي، بل هذا متعلق بمدى استغراق الدم للشهر، فإن استغرق أكثره إلا قليلا كاليوم واليومين فهي استحاضة.

قال الشيخ دبيان الدبيان:

" والراجح: أن المبتدأة لا تكون مستحاضة بمجرد أن الدم جاوز خمسة عشر يوما، بل لا بد أن يستغرق الدم الشهر كاملا، أو الشهر إلا يوما أو يومين، فحينئذ تكون مستحاضة " انتهى. "موسوعة أحكام الطهارة" (6/ 214 -215).

وأما على قول جمهور العلماء، بأن حد أكثر الحيض هو خمسة عشر يوما؛ فيكون كل ما جاوز خمسة عشر يوما استحاضة. وهذا أقرب، وأحوط لها.

وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم:(366116). 

وأما تحديد نهاية دم الحيض وبداية دم الاستحاضة، بما أنها مبتدأة، فإنا إذا عرضنا حالها على الأحوال الثلاثة التي سبق تفصيلها، وهي ليس لها عادة، فلا يخرج حالها عن حالة العمل بالتمييز إن عرفت ذلك، فإن تعذر التمييز، فإنها تحدد أيام حيضها بعادة نساء أهلها، وإن لم تكن لهن عادة مضبوطة فإنها ترجع إلى عادة غالب النساء وهي ستة أو سبعة أيام.

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى:

" والخلاصة: أن المستحاضة المبتدأة تعمل بالتمييز، فإن لم يكن لها تمييز عملت بغالب عادة النساء، فتجلس ستة أيام أو سبعة من أول وقت رأت فيه الدم، فإن نسيت متى رأته فمن أول كل شهر هلالي، وسبق أن الأرجح أن تعمل بعادة نسائها" انتهى من "الشرح الممتع" (1/490).

وقال الشيخ دبيان الدبيان:

" الراجح في المستحاضة عموما.

أن يقال إذا أطبق الدم على المرأة وصارت مستحاضة نظر:

فإن كانت مبتدأة .. عملت بالتمييز إن كانت تميز دم الحيض من دم الاستحاضة، بأن ترى بعضه أسود وبعضه أحمر؛ لأن التمييز علامة ظاهرة واضحة.

فإن كان على صفة واحدة فإن لم يمكن التحري رجعت إلى عادة النساء من أقاربها: من أم، وأخت، وعمة، وخالة. فإن اختلفت عادتهن فالاعتبار بالغالب منهن، فإن لم يوجد غالب في النساء القريبات تحرت واجتهدت فإن لم تستطع فغالب النساء في بلدتها ...

وإن كانت المرأة معتادة، قدمنا العادة على التمييز، فجلست عادتها.

وإن كانت المرأة لا عادة لها، فإن كان لها تمييز عملت به.

وإن كانت لا تمييز لها رجعت إلى عادة النساء القريبات، فإن اختلفت تحرت، فإن لم تستطع فالاعتبار بغالب النساء عموما" انتهى من "موسوعة أحكام الطهارة" (8/1107).

والله أعلم.