عنوان الفتوى : آداب شرب ماء زمزم
سأشرب من ماء زمزم قريبًا -بإذن الله تعالى-، وأريد أن أدعو الله عز وجل بعدة أدعية هي: ١- "اللهم ارزقني الإخلاص في القول والعمل". ٢- "اللهم جنبني الفواحش ما ظهر منها وما بطن". ٣- "اللهم إني أسألك الهدى، والتقى، والعفاف، والغنى". ٤- "اللهم إني أعوذ بك من جهد البلاء، ودرك الشقاء، وسوء القضاء، وشماتة الأعداء". ٥- "ربنا آتنا في الدنيا حسنةً، وفي الآخرة حسنةً، وقنا عذاب النار". ٦- "اللهم أجرني من خزي الدنيا والآخرة". ٧- "اللهم استرني فوق الأرض، وتحت الأرض، ويوم العرض عليك". ٨- "اللهم أحيني حياةً طيبةً كريمة". ٩- "اللهم اقبضني على عملٍ صالحٍ يُرضيك عني". ١٠- "اللهم أحسن خاتمتي في الأمور كلها". ١١- "اللهم ارزقني رضاك عني وحبك لي، ورضاي عنك وحبي لك". ١٢- "اللهم اقبضني على عملٍ صالحٍ يُرضيك عني". ١٣- "اللهم أدخلني الفردوس الأعلى من غير حساب ولا سابقة عذاب". وقد علمت أن أُناسًا صالحين دعوا الله عز وجل بعد شرب زمزم، وتحققت لهم دعواتهم، وأنا أريد ذلك لنفسي، فكتبت أهم الأدعية بالنسبة لي. ولأن الأدعية كثيرة، أريد من فضلكم أن ترجحوا لي أفضلية الأدعية بعضها على بعض -إن كان ذلك صوابًا-، وهل بإمكاني الاستغناء عن دعاء بدعاءٍ آخر؛ بحيث يكون أعم وأشمل وأفضل؟ مثال: بالنسبة للدعاءين رقم: (٢ و٣) هل أحدهما يُغني عن الآخر، وأيهما أفضل أو أشمل؟ وبقية الأدعية كذلك، رجحوا لي أفضلها من فضلكم. وهل صحيح أن الدعاء بعد شرب زمزم يكون بثلاث دعوات فقط؟ وإن كان صحيحًا، فرجحوا لي أفضل ثلاث دعوات؟ وقد قرأت في موقعكم أن ينوي شارب زمزم عند شربه، ثم بعد شربه يدعو، فهل يمكن أن أنوي عند شربي بأحد هذه الأدعية، ثم بعد شربي أدعو بثلاث أخرى، فتُصبح أكثر من ثلاث؟ علمًا أنه لا مانع عندي أن أدعو بها جميعًا. وهل يجوز أن أدعو في قلبي، دون رفع اليدين؟ فأنا سأكون أمام الناس في بيت الله الحرام، ولا أريد أن يراني أحد وأنا أدعو؛ حتى تخرج دعواتي خالصةً من القلب. وما آداب شرب زمزم والدعاء بعده؟ أرجو أن يصلني ردكم سريعًا، وجزاكم الله خير الجزاء، ولا تنسوني من صالح دعائكم.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإن أفضل هذه الأدعية ما كان مأثورًا، ولا سيما الدعاء بـ (ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار)، ففي الحديث عن أنس -رضي الله عنه- قال: كان أكثر دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: "ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار". رواه البخاري ومسلم.
واعلمي أن زمزم يشرع للمسلم أن يطلب عند شربه إياه ما شاء من خيري الدنيا والآخرة، ولا يتوقف ذلك على ثلاث دعوات؛ نظرًا لعموم ما في الحديث، فقد صح عن رسول الله عليه وسلم أنه قال: ماء زمزم لما شرب له. رواه ابن ماجه، وغيره، وصححه الألباني. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: إذا تمنى أحدكم فليكثر، فإنما يسأل ربه. رواه الطبراني في الأوسط، وصححه الألباني في صحيح الجامع. وفي رواية: إذا سأل أحدكم فليكثر، فإنما يسأل ربه. رواه ابن حبان وصححه الألباني في صحيح الجامع.
قال شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى: وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَشْرَبَ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ، وَيَتَضَلَّعَ مِنْهُ، وَيَدْعُوَ عِنْدَ شُرْبِهِ بِمَا شَاءَ مِنْ الأَدْعِيَةِ الشَّرْعِيَّةِ. اهـ.
وقال الشوكاني في نيل الأوطار: ماء زمزم لما شرب له ـ فيه دليل على أن ماء زمزم ينفع الشارب لأي أمر شربه لأجله؛ سواء كان من أمور الدنيا أو الآخرة؛ لأن ما في قوله: لما شرب له من صيغ العموم. اهـ.
ويستحب عند شرب ماء زمزم، وغيره أن يسمي أولًا، ويشرب على ثلاث مراحل؛ لعموم ما رواه أبو داود عن أنس بن مالك: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا شرب تنفس ثلاثًا، وقال: هو أهنأ، وأمرأ، وأبرأ.
وقد روى ابن ماجه بسند فيه ضعف عن ابن عباس رضي الله عنهما -موقوفًا- بشأن زمزم فقد قال فيه: إذا شربت منها - أي: من زمزم - فاستقبل القبلة، واذكر اسم الله، وتنفس ثلاثا، وتضلع منها، فإذا فرغت فاحمد الله عز وجل، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن آية ما بيننا وبين المنافقين أنهم لا يتضلعون من زمزم.
وينبغي بعد الشرب منه أن يدعو موقنًا بالإجابة، وأن يعزم المسألة، ويحسن الظن بالله تعالى، ولا بأس أن يقول عند شربه: اللهم إنه بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ماء زمزم لما شرب له. اللهم إني أشربه لكذا وكذا، أو يقول: اللهم إني اسألك كذا وكذا، ففي الحديث القدسي: أنا عند ظن عبدي بي. متفق عليه. وفي رواية لأحمد: أنا عند ظن عبدي بي، فإن ظن بي خيرًا فله، وأن ظن بي شرًّا فله.
وفي الحديث: ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، فإن الله لا يستجيب دعاء من قلب غافل لاه. رواه الترمذي.
وفي الحديث: إذا دعا أحدكم، فلا يقل: اللهم اغفر لي إن شئت، ولكن ليعزم المسألة، وليعظم الرغبة، فإن الله لا يتعاظمه شيء أعطاه. متفق عليه.
وفي الطب النبوي لابن القيم: وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ أَنَّهُ لَمَّا حَجَّ، أَتَى زَمْزَمَ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّ ابن أبي الموالي، حَدَّثَنَا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جابر -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- عَنْ نَبِيِّكَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «مَاءُ زَمْزَمَ لِمَا شُرِبَ لَهُ»، وَإِنِّي أَشْرَبَهُ لِظَمَأِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ. اهـ.
وقال ابن العربي في أحكام القرآن: النبي صلى الله عليه وسلم قال: ماء زمزم لما شرب له. وأخبر النبي بأن هذا موجود فيه إلى يومه ذلك، وكذلك يكون إلى يوم القيامة، لمن صحت نيته وسلمت طويته، ولم يكن به مكذبًا، ولا شربه مجربًا، فإن الله مع المتوكلين، وهو يفضح المجربين، ولقد كنت بمكة مقيمًا. وكنت أشرب ماء زمزم كثيرًا، وكلما شربته نويت به العلم والإيمان، حتى فتح الله لي بركته في المقدار الذي يسره لي من العلم، ونسيت أن أشربه للعمل، ويا ليتني شربته لهما حتى يفتح الله علي فيهما. انتهى.
والله أعلم.