عنوان الفتوى : هل يجوز الإتيان بالصبيان الصغار للمسجد والسماح لهم باللعب؟
توسع البعض في الخصائص النبوية؛ حتى ألف الإمام السيوطي: "الخصائص الكبرى"، وضيقها البعض الآخر لأبعد حد، وعددها في أمور قليلة جدًّا، كالوصال في الصوم، وتعدد زوجاته لأكثر من أربعة، وعدم زواج زوجاته من بعده، فما الضابط في ذلك؟ وبعضهم يؤمّ المسلمين، ويجعل ابنه يلعب أثناء الصلاة، ويقول: كان الحسن والحسين يفعلان ذلك.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإن النبي صلى الله عليه وسلم له خصائص كثيرة، وقد سبق بيان بعضها في الفتويين رقم : 68822، 336751.
ولا شكّ أنه قد تساهل كثير من المؤلفين في شأنها، فأوردوا فيها كثيرًا مما لم يثبت نقله، وما لم تثبت خصوصيته، والضابط لمعرفة الخصائص هو ثبوت الدليل على التخصيص، فقد قال العراقي في شرح تقريب الأسانيد: والخصائص لا تثبت إلا بدليل صحيح. اهـ.
وفي فتح الباري لابن حجر: والأصل مشروعية الاتباع، والخصائص لا تثبت إلا بدليل. اهـ.
وأما عن الصبيان فيشرع الإتيان بهم للمسجد، ولكنه لا يشرع إهمالهم وتركهم يلعبون بالمسجد، بل يلزم كفهم عن اللعب، ويجب أن تنزه المساجد عن اللغو واللعب؛ لأنها إنما بنيت لذكر الله تعالى، وإقامة الصلاة، وقراءة القرآن، وتعليم العلم، كما قال عز وجل: فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ * رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ { النور:36-37}.
وفي المدونة: أنه سئل الإمام مالك عن الصبيان يؤتى بهم إلى المساجد، فقال: إن كان لا يعبث لصغره، ويكف إذا نهي، فلا أرى بهذا بأسًا، وإن كان يعبث لصغره، فلا أرى أن يؤتى به إلى المسجد. اهـ.
وقال الحطاب في مواهب الجليل في شرح مختصر خليل: وإحضار صبي به لا يعبث، ويكف إذا نهي.
قال ابن فرحون في شرح ابن الحاجب: إذا كان يعبث، ولا يكف إذا نهي، فلا يجوز إحضاره؛ لما في الحديث: «جنبوا مساجدكم مجانينكم، وصبيانكم»، فالشرط في جواز إحضاره أحد أمرين: إما عدم عبثه، أو كونه يكف إذا نهي عن العبث، وظاهر كلام المؤلف -أي: ابن الحاجب- أنه يكف عن العبث إذا وقع في المسجد، وفي حواشي التجيبي، قال: يعني يكف إذا نهي قبل دخول المسجد، يعني يكون شأنه استماع ما يؤمر به، وترك ما نهي عنه؛ لأن المقصود تنزيه المساجد عن لعب الصبيان، بل يمنعون من رفع الصوت، ولو بالعلم. انتهى. ونحوه لابن عبد السلام في "رسم حلف" من سماع ابن القاسم، ونص كلام ابن عبد السلام يشترط في جواز إحضار الصبي أحد أمرين: إما عدم عبثه، أو كونه يكف إذا نهي، بتقدير أن يعبث؛ لأن المقصود تنزيه المساجد عن لعب الصبيان وغيره؛ لقوله تعالى: {في بيوت أذن الله أن ترفع} [النور: 36] الآية. انتهى.
وأما عن الحسن والحسين: ففي السنن عن أبي هريرة قال: كنا نصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم العشاء، فإذا سجد وثب الحسن والحسين على ظهره، فإذا رفع رأسه أخذهما بيده من خلفه أخذًا رفيقًا، ويضعهما على الأرض، فإذا عاد وعادا حتى قضى صلاته أقعدهما على فخذيه ... قال: الأرناؤوط: إسناده حسن. وعن أبي بكرة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بالناس، وكان الحسن بن علي -رضي الله عنهما- يثب على ظهره إذا سجد. رواه أحمد، وصححه الأرناؤوط.
وهذا ليس فيه السماح لهما باللعب، ولا خصوصية لهما فيه، وإنما هو من باب حمل الصبيان في الصلاة، وهو جائز، كما يجوز تعلقهم بالمصلي، وركوبهم عليه؛ لما رواه البخاري، ومسلم، وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم: كان يصلي وهو حامل أمامة بنت زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا سجد وضعها، وإذا قام حملها.
ولما رواه أحمد في مسنده، والنسائي في سننه، والحاكم في مستدركه من حديث شداد بن أوس -رضي الله عنه- في حديث طويل: أن النبي صلى الله عليه وسلم سجد، فجاء الحسن وصعد على ظهره، فأطال رسول الله صلى الله عليه وسلم السجود حتى نزل الحسن، ثم قال: إن ابني ارتحلني فكرهت أن أعجله حتى يقضي حاجته.
قال ابن قدامة -رحمه الله- في المغني: ولا بأس بالعمل اليسير في الصلاة للحاجة. قال أحمد -يعني: ابن حنبل -رحمه الله- لا بأس أن يحمل الرجل ولده في الصلاة الفريضة؛ لحديث أبي قتادة، وحديث عائشة أنها استفتحت الباب، فمشى النبي صلى الله عليه وسلم وهو في الصلاة حتى فتح لها. انتهى
وقال البهوتي في كشاف القناع: ولا بأس بتطويل السجود لعذر) لما روي «أنه - صلى الله عليه وسلم - خرج وهو حامل حسنًا أو حسينًا في إحدى صلاتي العشاء، فوضعه، ثم كبر فصلى، فسجد بين ظهري صلاته سجدة أطالها، فلما قضى - صلى الله عليه وسلم - الصلاة قال الناس: يا رسول الله، إنك سجدت بين ظهري صلاتك سجدة أطلتها حتى ظننا أنه قد حدث أمر، وأنه يوحى إليك، قال: كل ذلك لم يكن، ولكن ابني ارتحلني، فكرهت أن أعجله، حتى يقضي حاجته». رواه أحمد، والنسائي، واللفظ له. انتهى .
وقد ردّ النووي على من من ادّعى الخصوصية في هذا، فقال : دعوى النسخ، والخصوصية باطلة؛ إذ لا دليل عليها، ولا ضرورة إليها. اهـ
والله أعلم.