عنوان الفتوى : حكم عمل مقطع فيه فعل معصية لغرض التحذير منها
ما حكم فعل معصية بقصد فعل مقطع توعوي كإنذار من هذه المعصية ؟ مثال : أن أصور مقطعا، وأنا أقول لشخص الله يلعنك، وأكتب في آخر المقطع حديث عن خطورة اللعن، مثال آخر : رسم صور ذوات أروح بهدف مقطع توعوي.
الحمد لله.
لا يجوز فعل المعصية لغرض التحذير منها؛ إذ ليس ذلك ضرورة ولا حاجة تنزل منزلة الضرورة، ويمكن التحذير من المعصية بغير ذلك من الوسائل، كما حذرت الشريعة المطهرة من سائر الذنوب بالنهي عنها، أو التصريح بحرمتها، أو وعظ الناس بشأنها، وذكر الوعيد عليها.
فنحذر من اللعن بذكر النصوص الواردة فيه، ونقل كلام أهل العلم في تحريم لعن المعين، وكذا نحذر من تصوير ذوات الأرواح بذكر النصوص الواردة في ذلك، وهي كافية، ولهذا اكتفت بها الشريعة، وقد كمل الدين والحمد لله، وما لم يكن يومئذ دينا فلن يكون اليوم دينا.
وعلى فرض أن تمثيل المعصية فيه مصلحة، فهي مصلحة مهدرة لم تلتفت إليها الشريعة، واكتفت بالنهي والتحذير.
وإباحة المعصية لغرض التحذير منها يعني تحويل الفعل إلى طاعة يثاب عليها، وهذا باطل فإن النية الصالحة لا تحول المعصية إلى طاعة.
قال الغزالي رحمه الله: " القسم الأول : المعاصي . وهي لا تتغير عن موضعها بالنية، فلا ينبغي أن يفهم الجاهل ذلك من عموم قوله عليه السلام : (إنما الأعمال بالنيات) فيظن أن المعصية تَنْقَلِبُ طَاعَةً بِالنِّيَّةِ" انتهى من "إحياء علوم الدين" (4/ 368).
ثم إن التمثيل مختلف فيه، ومن يبيحه يشترط عدم الوقوع في المعصية.
قال الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين رحمه الله: " لا شك أن الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى عبادة ، كما أمر الله بها في قوله : ( ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن ) .
والإنسان الداعي إلى الله يشعر وهو يدعو إلى الله عز وجل أنه ممتثل لأمر الله متقرِّب إليه به ، ولا شك أيضاً أن أحسن ما يدعى به كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، فإن كتاب الله سبحانه وتعالى هو أعظم واعظ للبشرية : ( يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين ) .
والنبي صلى الله عليه وسلم كذلك يقول أبلغ الأقوال موعظة، فقد كان يعظ أصحابه أحيانا موعظة يصفونها بأنها " وجلت منها القلوب وذرفت منها العيون " .
فإذا تمكَّن الإنسان من أن تكون عظته بهذه الوسيلة : فلا شك أن هذه خير وسيلة ، أي بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم .
وإذا رأى أن يُضِيف إلى ذلك أحياناً وسائل مباحة ، مما أباحه الله فلا بأس بهذا .. ولكن يشترط ألا تشتمل هذه الوسائل على شيء مُحرّم، كالكذب ، أو تمثيل أدوار الكفار مثلاً ، أو تمثيل الصحابة رضي الله عنهم أو الأئمة ـ أئمة المسلمين من بعد الصحابة ـ أو ما أشبه ذلك مما يُخْشى منه أن يَزْدَري أحد من الناس هؤلاء الأئمة الفضلاء ..
ومنها أيضاً ألا تشتمل التمثيلية على تَشَبُّه رجل بامرأة أو العكس، لأن هذا مما ثبت فيه اللعن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه يلعن المتشبِّهات من النساء بالرجال، والمتشبِّهين من الرجال بالنساء .
المهم أنه إذا أخذ بشيء من هذه الوسائل أحيانا من أجل التأليف ، ولم يشتمل هذا على شيء مُحرّم ، فلا أرى به بأسا، أما الإكثار منها، وجعلها هي الوسيلة للدعوة إلى الله، والإعراض عن الدعوة بكتاب الله، وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، بحيث لا يتأثر المدعُو إلا بمثل هذه الوسائل، فلا أرى ذلك، بل أرى أنه محرم؛ لأن توجيه الناس إلى غير الكتاب والسنة فيما يتعلق بالدعوة إلى الله أمر منكر، لكن فِعْل ذلك أحيانا لا أرى فيه بأسا إذا لم يشتمل على محرّم " انتهى من كتاب "التمثيل في الدعوة إلى الله" لعبد الله آل هادي ص66-67
وينظر أيضا للفائدة : حول حكم من تظاهر بشرب الخمر، وإن لم يكن يشربه حقيقة: جواب السؤال رقم : (119530).
وينظر أيضا في حكم تسمية المشروبات المباحة، بأسماء المشروبات المحرمة ، جواب السؤال رقم : (234755).
وحول الضرورة التي تبيح المحرم، ينظر جواب السؤال رقم : (130815) .
والحاصل:
أنه لا يجوز فعل المعصية لغرض التوعية والتحذير منها.
والله أعلم.