عنوان الفتوى : حكم طلاق الغضبان
أنا شاب ملتزم، وقع خلاف شديد بيني وبين زوجتي الموجودة في بلد آخر ، عند أهلي؛ لأنها يتيمة، وأنا مغترب عنها حاليا منذ شهرين، وخلافي كان بسبب تقليدها لسلوك من حولها من نساء الإخوان السيئ، وتعمدها عدم طاعتي في ما آمرها به، وتحايلها علي بالكلام كذبا لتخفي عني أمورا لا ترضيني، وكم مرة نهيتها عن أشياء هي تعلم أنها باب شر ولا ترضيني، ولكنها لم تمتثل، وحجتها في ذلك كثرة الفاعلات له ممن حولها من المتزوجات؛ فقاطعتها بعد خلاف، مدة عشرة أيام ، لا أكلمها، ولا أراسلها تأديبا لها، ثم كلمتها أمس، وعاتبتها ونهيتها؛ فانتهت عما أكره ظاهريا، ووعدت أن تستقيم، ولكن ما هي إلا سويعات حتى علمت أنها تكذب، وأنها تتبع نصيحة من حولها أن قولي طيب وحاضر، وتجاهلي، ومن أين سيعرف هو !؟!؟ وككل مرة يشاء الله أن أعرف، وأواجهها، وتتنصل بعدم مبالاة، وتعينها في ذلك أمي التي تحبها أكثر من بناتها، ولا مانع عندها من أن تتجاوز عن غلطاتها؛ لكي تستمر الحياة حتى لو عكس ما أريده، بحجة أن كل النساء هكذا !!! والمشكلة أن أمي مريضة، ولولا مرضها ما تركت زوجتي عندها. المهم أني رجل غضوب، لدرجة غير عادية، ولكني سريع الهدوء. فلما بلغني عن زوجتي أمس ما بلغني، راسلتها على الواتس، وأنَّبتها، فلم تنكر، وطلبت منها إزالة برنامج للمحادثة من هاتفها بينما أتحدث معها، وعدم الدخول إلى مثله، فماطلت، وادعت إزالته، وهي تجهل أنه يظهر عندي وجودها فيه، وتكرار دخولها، وكذبها. فأرسلت إليها موبخا ساخطا، غاضبا أكاد أجن، وتلفظت عليها وعلى أهلها بألفاظ خارجة عن إرادتي؛ لأنها ونحن نتحدث، لا تزال تكذب علي بطريقة ساذجة تدفع للجنون، ثم لم تغلق البرنامج، ولم ترد على رسائلي، وبقيت متصلة، فترة طويلة وأنا أتحدث معها، وهي لا ترد، ولم تغلق البرنامج، مع أني منذ عشرة أيام نهيتها، وأمرتها بكسر الشريحة، وإعطاء الهاتف للوالدة، ولكنها كانت تكذب، وتدخل كل يوم في كل الأوقات لبرنامج المحادثة ذاك؛ فلما رأيت تجاهلها غير الاعتيادي، واستمرارها بالتواجد في البرنامج، اتصلت على هاتف أمي مرارا وتكرار وأنا في غضب لا يعلمه إلا الله، ولم ترد علي إلا في الاتصال الخامس أو السادس، لا أذكر؛ فعاتبت أمي عتابا شديدا، وهي تدافع عن سلوك زوجتي السيء، ونشوزها، وعاتبتها على استمرار الهاتف والنت معها، رغم أني أمرتها بعلم أمي أن تلغيه، وتتركه، ولكن أمي كعادتها تغطي على أخطاء زوجتي بحجة أن كل النساء يفعلن ذلك، وبينما أنا في قهر وغضب من أسلوب أمي، وصوت زوجتي من وراء الهاتف المستفز، أصبحت أصرخ غاضبا في وجه أمي (غفر الله لنا) وأنا أدعو وأحتسب منك لله، ضيعتي ما ائتمنتك عليه، والله لأسألنك عنها يوم الموقف العظيم، وأصبحت أكررها دون وعي وأنا أصرخ من شدة الغضب والقهر( بينما كنت أقود سيارتي راجعا من عملي) فبينما أنا أصرخ وأدعو، وأحتسب، ولا أذكر ما كانت تقوله أمي من دفاع معتاد عن زوجتي؛ لأني أصبت بهستيريا، قلت: يا أمي، فلانة( زوجتي باسمها) طالق، ثم أدركت ما قلت، فأمسكت لساني، وقلت صارخا: أعجبك، لقد طلقت، وأغلقت الهاتف آسفا في وجه أمي من شدة غضبي، ولم أعلم ماذا أفعل، ولكني أدركته بعد أن قلته. ويا سيدي سلوك زوجتي الاستفزازي طوال شهر مضى، كان يدفعني للحديث بيني وبين نفسي بأن أطلقها، ولكن لي منها ولد، فأتراجع عن الفكرة، وأستعيذ، ولكنها فكرة كانت تراودني حتى وأنا نائم في أحلامي، مؤخرا بسبب عناد زوجتي الجديدة علي، وسوء تصرفها، ونشوزها الذي أصبح في تزايد، خاصة عندما تجتمع بنساء العائلة، رغم أننا لسنا صغارا في العمر بل فوق الثلاثين. ولم أتحادث معهم من بعدها، رغم أنهم أرسلوا كلاما لكني لم أرغب في أن أسمعه؛ فأثور أكثر، ويخرج مني ما أكره، ولكني قلت برسالة واحدة يا أمي لقد سمعت ما قلت، خرج مني الطلاق وطلقتها وانتهى الأمر، وقلت ذلك وفي نيتي أن أستفتي حول ما حدث، وما خرج علي لساني حال غضبي. هل هي طلقة واقعة أم لا؟ مع العلم أنني أتجنب كثيرا فكرة الطلاق عندما أكون غاضبا، وأجتهد ما وجدت إلى ذلك سبيلا، ولكن قدر الله وما شاء فعل، وعسى الله أن يهدينا، ويغفر لنا ما كان. وجزاكم الله كل خير.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فالمفتى به عندنا أنّك ما دمت تلفظت بطلاق امرأتك، مدركاً، غير مغلوب على عقلك، فقد وقع طلاقك ولو كان وقت الغضب الشديد.
قال الرحيباني -رحمه الله-: وَيَقَعُ الطَّلَاقُ مِمَّنْ غَضِبَ وَلَمْ يَزُلْ عَقْلُهُ بِالْكُلِّيَّةِ؛ لِأَنَّهُ مُكَلَّفٌ فِي حَالِ غَضَبِهِ بِمَا يَصْدُرُ مِنْهُ مِنْ كُفْرٍ، وَقَتْلِ نَفْسٍ، وَأَخْذِ مَالٍ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَطَلَاقٍ، وَغَيْرِ ذَلِكَ. مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى.
وراجع الفتوى رقم: 11566
وإذا لم تكن تلك الطلقة مكملة للثلاث، فلك مراجعة زوجتك قبل انقضاء عدتها، وقد بينا ما تحصل به الرجعة شرعا، في الفتوى رقم: 54195
والواجب على امرأتك أن تطيعك في المعروف، وعليك أن تعاشرها بالمعروف، وتحسن الظن بها، وعليك أن تبر أمّك، ولا يجوز لك أن ترفع صوتك عليها، أو تكلمها بكلام غليظ؛ فإنّ حقّ الأمّ على ولدها عظيم، فتب إلى الله مما وقع منك في حقّ أمّك، واعتذر لها عن ذلك، واجتهد في استرضائها حتى تعفو عنك، واعلم أنّ الغضب مفتاح الشر، فينبغي الحذر منه، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: أَوْصِنِي، قَالَ: لَا تَغْضَبْ، فَرَدَّدَ مِرَارًا، قَالَ: لَا تَغْضَبْ. رواه البخاري.
قال ابن رجب: فهذا يدل على أن الغضب جماع الشر، وأن التحرّز منه جماع الخير. جامع العلوم والحكم.
والله أعلم.