عنوان الفتوى : التوبة والاستتابة
بعض الناس الرّافضين لحد الرِّدة يَرفضون أيضا أن تُطلَب من المرتدِّ توبة، فالله وحدَه هو الذي يَقبلها، فما رأي الدِّين في ذلك؟
هناك فرق بين طلب التوبة أي الاستتابة، وبين قَبول التوبة، فطلبها من العاصي حقٌّ لله وللرسول وحقٌّ للمؤمنين، فالله ـ سبحانه ـ أمَرَ بها في مثل قوله: (يا أيُّها الذِينَ آَمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللهِ تَوبَةً نَصوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ) (سورة التحريم : 8)، وقوله: (وتُوبُوا إلَى الله جَميعًا أَيُّها المُؤمِنونَ لَعلَّكُمْ تُفْلِحونَ) (سورة النور: 31)، وأمر بِها الرسول ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ في مثل قوله: “يا أيُّها النّاسُ تُوبوا إلى اللهِ واستغْفِروه، فإنِّي أتوبُ في اليوم مائةَ مرّة”. رواه مسلم.
والمؤمن يجب عليه أن يطلب التوبة من العاصي، قياما بواجب الدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، في ظلِّ قوله تعالى: (ادْعُ إلَى سَبيل ربِّكَ بالحِكْمةِ والمَوعِظةِ الحَسَنةِ) (سورة النحل : 125)، وحذَّر الإسلام من السكوت على المعاصي، فالرضا بها مشاركة في الإثم، ووضح الرسول معنى الآية (عَليكم أنفسَكم لا يضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إذَا اهْتدَيْتُمْ) (سورة المائدة : 105)، موضِّحًا أن الاهتداء لا يكون إلا بالقيام بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. كما رواه ابن ماجه والترمذي وحسَّنه وأبو داود “الترغيب ج 4 ص 28”.
والمرتدّ ننصَحُه بالرجوع عن ردّتِه ببيان الحقِّ فيما يشكُّ فيه لعلّه يهتدي، أما قَبول التوبة فهو أيضا قدر مشترك بين الله ـ سبحانه ـ وبين العِباد، فقَبولها من الله مرهون بالإخلاص فيها، وصدورها من القلب لا من اللسان فقط، فهو ـ سبحانه ـ لم يَقبل من المنافقين ما لا يتَّفق ظاهِرهم مع باطنهم، وذلك بعد استكمال مقوّماتِها المعروفة. وقَبولها بالنسبة لنا هو معاملته معاملة المُسلم بحسب ظاهره فقط، ولا شأن لنا بباطنه، والأحاديث في ذلك واضحة، فالرّسول قال لأسامة في شأن من أسلم بلسانه “هل شَقَقتَ عن قلبه” مقرِّرًا أن علينا الأخذ بالظاهر؛ لأنه المُستطاع، والله يتولّى السّرائر “بيان للناس من الأزهر الشريف ج 1 ص 141ـ 146”. فقول القائل: إن التوبة حقٌّ لله يَقبلها ويرفَضُها، وليس لأحد سواه هذا الحقّ نابع من عدم الفهم الصحيح. وتَحريف للكَلِم عن مواضعه، والوَعيد عليه شديد.