عنوان الفتوى : الترهيب من مطل القادر على وفاء الدين
زوجي أقرض رجلا مالا قيمته أكثر من مائة ألف دولار على أقسام، وقد وعده هذا الرجل أن يسدد الدين بمجرد أن يستقر، وبعدما استقر وضعه وطالبه بجزء من معاشه 600 دولار، كل أسبوعين كطريقة تسديد لما عليه، وهذا المبلغ بسيط مقارنة بالمبلغ الذي عليه، وليس به عسر... وكلما يطالبه يقول له أموالك محفوظة، ويوما ما سأدفعها لك، ومؤخرا صار يهين زوجي بالكلام الجارح، وزوجي يستطيع أن يأخذه للمحكمة، لكن أخلاقه عالية جدا، ويريد أن يسترجع ماله بطريقة سلمية، فنرجو أن تفصلوا لنا حكم هذا الرجل دينيا حتى نجعله يقرأ الفتوى وأرجو من حضراتكم الدعاء لزوجي بجنة الفردوس...
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فشكر الله لك تقديرك لحال زوجك الكريم وحرصك على ما ينفعه، ونسأل الله تعالى أن يجزيه خيرا على صبره واحتسابه وحسن خلقه، وأن يجعله من أهل الفردوس الأعلى بغير حساب ولا عذاب، وأما هذا الرجل المماطل القادر على الوفاء بدينه، فهو ظالم مفسد، متعرض لعقوبة الله تعالى، وإن مات على هذه الحال، فقد خسر خسرانا مبينا، وحجب نفسه عن الجنة ـ والعياذ بالله ـ فعن محمد بن عبد الله بن جحش رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قاعدا حيث توضع الجنائز، فرفع رأسه قِبَل السماء ثم خفض بصره، فوضع يده على جبهته، فقال: سبحان الله! سبحان الله! ما أنزل من التشديد، قال: ففرقنا وسكتنا، حتى إذا كان الغد سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلنا: ما التشديد الذي نزل؟ قال: في الدَّين، والذي نفسي بيده، لو قتل رجل في سبيل الله، ثم عاش، ثم قتل، ثم عاش، ثم قتل وعليه دين، ما دخل الجنة حتى يقضي دينه. رواه النسائي والطبراني في الأوسط، والحاكم، وصححه، وحسنه الألباني.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من مات وعليه دينار أو درهم قضي من حسناته، ليس ثَمَّ دينار ولا درهم. قال المنذري: رواه ابن ماجه بإسناد حسن ـ وصححه الألباني.
وإذا كان هذا الرجل قد أخذ المال وهو ينوي عدم قضاء الدين، فهو بذلك في حكم السارق، وقد أتى بابا عظيما من أبواب الهلاك والتلف في الدنيا قبل الآخرة، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيما رجل تداين دينا وهو مجمع ألا يوفيه إياه، لقي الله سارقا. رواه ابن ماجه، وحسنه الألباني.
وقال أيضا صلى الله عليه وسلم: من أخذ أموال الناس يريد أداءها، أدى الله عنه، ومن أخذ أموال الناس يريد إتلافها أتلفه الله. رواه البخاري.
قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري: قوله: أتلفه الله ـ ظاهره أن الإتلاف يقع له في الدنيا، وذلك في معاشه أو في نفسه، وهو علم من أعلام النبوة، لما نراه بالمشاهدة ممن يتعاطى شيئا من الأمرين، وقيل المراد بالإتلاف: عذاب الآخرة. اهـ.
وقال الصنعاني في التنوير: أتلفه الله ـ أي أتلف أمواله بحلول المصائب ورفع البركة وسعة التكاليف، أو تتلف نفسه في الآخرة بالعذاب. اهـ.
وقال ابن بطال في شرح صحيح البخاري: هذا الحديث شريف ومعناه: الحض على ترك استئكال أموال الناس والتنزه عنها، وحسن التأدية إليهم عند المداينة، وقد حرم الله في كتابه أكل أموال الناس بالباطل، وخطب النبي عليه السلام بذلك في حجة الوداع، فقال: إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام ـ يعني: من بعضكم على بعض. اهـ.
وجاء في الموسوعة الفقهية: مطل المدين الموسر القادر على قضاء الدين بلا عذر وذلك بعد مطالبة صاحب الحق، فإنه حرام شرعا، ومن كبائر الإثم، ومن الظلم الموجب للعقوبة الحاملة على الوفاء، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: مطل الغني ظلم ـ قال ابن حجر: المعنى أنه من الظلم، وأطلق ذلك للمبالغة في التنفير من المطل، وقال ابن العربي: مطل الغني ظلم إذا كان واجدا لجنس الحق الذي عليه في تأخير ساعة يمكنه فيها الأداء، وقال الباجي: وإذا كان غنيا فمطل بما قد استحق عليه تسليمه، فقد ظلم.... قال ابن القيم: ولا نزاع بين العلماء في أن من وجب عليه حق من عين أو دين، وهو قادر على أدائه وامتنع منه أنه يعاقب حتى يؤديه. اهـ.
والله أعلم.