عنوان الفتوى : حرب الجمل
أريد شرحاً وافياً عن حرب الجمل وشكراً.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وبعد:
فاعلم أن من جملة معتقد أهل السنة حبهم لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم جميعاً، واعترافهم لهم بالفضل جميعاً وأنهم كلهم عدول بررة وأنهم كلهم مجتهدون فيما يجري بينهم فمن أصاب منهم فله أجران: أجر على اجتهاده وأجر على إصابته الحق. ومن أخطأ منهم فله أجر على اجتهاده، وخطؤه مغمور في بحر حسناته الجمة، وأنه يجب الإمساك عما جرى بينهم وعدم الخوض فيه وإنما يترضى عليهم ويلتمس لهم أحسن المخارج . ومن ذلك الذي يجب الإمساك عنه وعدم الخوض فيه هذه الواقعة التي ذكرت ، فهي التي حصلت بين علي رضي الله عنه ومن معه من جهة، وعائشة أم المؤمنين وطلحة والزبير رضي الله عنهم - من جهة أخرى - ولها عدة أسباب يطول شرحها. فمن تلك الأسباب أنه لما قتل الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه - وكان قد قتل ظلماً - بويع علي بن أبي طالب رضي الله عنه بالخلافة وانقسم رأي الصحابة رضي الله عنهم في كيفية ملاحقة الجناة ومعاقبتهم إلى رأيين . فعلي رضي الله عنه ومن معه كانوا يرون أن الأولية يجب أن تكون لاستتباب الأمن واستقرار الأوضاع ثم تتم بعد ذلك ملاحقة الجناة ومعاقبتهم وذلك أحرى بأن يؤخذ الجاني ويسلم البريء. أما عائشة وطلحة والزبير رضي الله عنهم فرأوا أن يلاحق الجناة أولاً ويعاقبوا، وكانوا يرون أنهم معروفون مميزون عندهم، وأن التأخر في ملاحقتهم فيه خذلان للحق وتضييع له وقد يمكن الجناة من الاختفاء أو الفرار. وهنالك طائفة أخرى انطوت قلوبهم على النفاق والحقد والحسد على الإسلام والمسلمين كانت تحرك القضية من الجانبين وتثير الفتنة . ومن وراء ذلك قضاء الله وقدره ، فحصل ما حصل ليقضي الله أمراً كان مفعولاً ، فالصحابة رضي الله عنهم مجتهدون معذورون مأجورون ، والذين أثاروا الفتنة وأوقدوها ملعونون ، وموقفنا نحن من ذلك أن نترضى عن الصحابة ونترحم ونستغفر لهم امتثالاً لقول الله تعــالى ( والذين جاؤوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم) [الحشر: 10]. وقد سئل الإمام أحمد رحمه الله عن هذه الفتنة فذكر قول الله تعالى: (تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون) [البقرة: 141]. والله أعلم .