عنوان الفتوى : لا تعارض بين ما حدث للمسلمين من فتن داخلية وثبوت التآمر الخارجي عليهم
أرجو منكم الرد على من يتبنى مثل هذا الكلام: أول من ضرب الكعبة بالمنجنيق كان مسلما، وأول من قتل شخصا احتمى بالكعبة كان مسلما، وقاتل حفيد رسول الله صلى الله عليه وسلم كان مسلما، وأول من قتل مسلما وهو يصلي كان مسلما، وقتلة الخلفاء الراشدين كانوا مسلمين، والمرتدون الذين قاتلوا أبا بكر واتبعوا مسيلمة الكذاب كانوا 40.000 ممن أسلموا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم. وبعد هذا تجد الكثير من المسلمين العرب يرون العالم كله بشرقه وغربه يتآمر عليهم مع أن كل الضربات التي وجهت للإسلام كانت من المسلمين؟.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فليس هناك تعارض بين ثبوت بعض الحوادث التاريخية المذكورة في السؤال من حيث الجملة، وبين ثبوت التآمر على الأمة الإسلامية من قوى الشرق والغرب، ولا سيما وهذه الحوادث المذكورة كانت في الصدر الأول لهذه الأمة إبان عزتها، وكانت فتنتها من داخلها، فلما تغير الحال وظهر ضعفها طمع فيها أعداؤها وتآلبوا عليها، كما جاء في الحديث: يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها، فقال قائل: ومن قلة نحن يومئذ؟ قال: بل أنتم يومئذ كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن الله في قلوبكم الوهن، فقال قائل: يا رسول الله وما الوهن؟ قال: حب الدنيا وكراهية الموت. رواه أبو داود وأحمد، وصححه الألباني.
قال الحافظ ابن حجر في شرح حديث: ويل للعرب من شر قد اقترب ـ خص العرب بذلك، لأنهم كانوا حينئذ معظم من أسلم، والمراد بالشر ما وقع بعده من قتل عثمان، ثم توالت الفتن، حتى صارت العرب بين الأمم كالقصعة بين الأكلة، كما وقع في الحديث الآخر: يوشك أن تداعى عليكم الأمم، كما تداعى الأكلة على قصعتها ـ وأن المخاطب بذلك العرب. اهـ.
وعلى أية حال، فما وقع من الفتن بين المسلمين وأريقت بسببه الدماء، أمر لا يمكن إنكاره، وإليه يشير قوله تعالى: قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ {الأنعام: 65}.
وعن سعد بن أبي وقاص: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبل ذات يوم من العالية حتى إذا مر بمسجد بني معاوية دخل فركع فيه ركعتين وصلينا معه ودعا ربه طويلا، ثم انصرف إلينا، فقال صلى الله عليه وسلم: سألت ربي ثلاثا فأعطاني ثنتين ومنعني واحدة، سألت ربي أن لا يهلك أمتي بالسنة، فأعطانيها، وسألته أن لا يهلك أمتي بالغرق فأعطانيها، وسألته أن لا يجعل بأسهم بينهم، فمنعنيها. رواه مسلم.
وراجع للفائدة الفتوى رقم: 9987.
ولكن هذا لا ينفي حصول التآمر والمكر بهذه الأمة من أعدائها، بل إن ذلك كان أحد أهم أسباب ما حل بها من الفتن منذ البداية، ويكفي في المثال على ذلك معرفة دور عبد الله بن سبأ اليهودي في فتنة مقتل عثمان وما تلاها من أحداث شداد، قال الدكتور سامي عطا في رسالته: عبد الله بن سبأ اليهودي اليماني بين الحقيقة والخيال ـ خلص الباحث إلى أن روايات كتب الفرق والأدب عن عبد الله بن سبأ صحيحة، وأن ابن السوداء عبد الله بن سبأ الذي نشر أفكاره ووزع دعاته في مختلف الأمصار حتى أفسد الرعية على الخليفة عثمان ـ رضي الله عنه ـ وجعلها تثور عليه وتقتله، شخصية تاريخية وحقيقية قائمة، وأن الدور المنسوب إليه في إيجاد وتسيير أحداث الفتنة التي وقعت في فجر الإسلام دور واضح للعيان. اهـ.
وقبل ذلك ما جرى من قتل الخليفة الراشد الثاني عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ على يد مجوسي حاقد، وليس على يد مسلم كما ذكر في السؤال! وعلى أية حال، فتآمر أعداء هذه الأمة عليها حقيقة ثابتة، قامت عليها أدلة الواقع وشواهد التاريخ! وإلا فأين اجتياح التتار؟ والحملات الصليبية؟ وسقوط الأندلس؟ والغزو الاستخرابي (الاستعماري) الحديث للعالم الإسلامي؟ وغير ذلك من الأحداث الكبار التي استبان فيها أثر هذا التآمر وأسبابه ونتائجه؟! وهذا كله فضلا عن دلالة القرآن على هذا التآمر وجذوره، وتحذير المسلمين منه، قال تعالى: وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ {البقرة: 109}. وقال: وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ {البقرة: 120}.
وقال سبحانه: وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا{البقرة: 217}.
وقال عز وجل: يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ{آل عمران: 100}.
وقال: يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَاعَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ {آل عمران: 118}.
وقال: يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ {آل عمران: 149}.
ولتفصيل هذا الموضوع مجال غير هذا، ولذلك ننصح بالاطلاع على شيء من الكتب التالية للوقوف على هذه التفاصيل وخططها:
ـ بروتوكولات حكماء صهيون.
ـ الغارة على العالم الإسلامي ـ للمستشرق الفرنسي ألفريد لوشاتليه.
ـ قادة الغرب يقولون دمروا الإسلام أبيدوا أهله ـ للأستاذ الشيخ عبد الودود يوسف، والمنشور باسم: جلال العالم.
ـ عبد الله بن سبأ وأثره في أحداث الفتنة في صدر الإسلام، وكيف دخل التتر بلاد المسلمين، وكلاهما للدكتور سليمان بن حمد العودة.
ـ حصان طروادة: الغارة الفكرية على الديار السُّنية ـ للدكتور عمرو كامل عمر.
ـ الحملة الصليبية على العالم الإسلامي، للأستاذ يوسف العاصي.
والله أعلم.