عنوان الفتوى : أنواع الخوارق للعادة والفرق بينها
هناك بعض الأشخاص الذين يمكنهم أن يركضوا في القطب الشمالي بدون ملابس دافئة، ولا يعانون من انخفاض حرارة الجسم، ويشعرون أنّهم في يوم صيفيّ، هناك أشخاص إذا طُعنوا في الفم لا ينزفون، و يكونون بخير بعد ذلك، فماذا يقول الإسلام عن تلك القدرات الخارقة لدى بعض الأشخاص وغيرها الكثير بالإضافة إلى الأمثلة التي وَصفتُها أعلاه؟ أنا غير مسلم يبحث عن إجابات.
الحمد لله.
أولا:
بنى الله تعالى الكون على قوانين ثابتة، ككون النار تحرق، والجماد لا يتحرك ولا يتكلم، والميت لا يعود للحياة في الدنيا، والإنسان لا يطير في الهواء ولا يمشي على الماء.
وقد يخرق الله العادة، فيقع خلاف ما ذكرنا، إما معجزة لنبي، أو كرامة لولي، أو استدراجا وابتلاء لفاسق أو كافر.
فالمعجزة أمر خارق للعادة يؤيد الله بها أنبياءه ورسله، كعدم إحراق النار لإبراهيم، وانقلاب العصا حية لموسى، وكلام سليمان للطير، وإحياء عيسى للموتى، وانشقاق القمر وتسبيح الحصى لمحمد، عليهم الصلاة والسلام.
والكرامة شيء خارق للعادة يجريه الله تعالى على يد أحد أوليائه، كمشي العلاء بن الحضرمي على الماء بجيشه، وكذلك مشي سعد بن أبي وقاص بجشيه على نهر دجلة، وتناول خالد بن الوليد للسم دون أن يضره، إلى غير ذلك.
وقد يقع الأمر الخارق على يد كافر زنديق، كما سيقع للمسيح الدجال من أمره للسماء أن تمطر فتمطر، ومن إحيائه لبعض الموتى وغير ذلك.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: " خرق العادة قد يقع للزنديق بطريق الإملاء والإغواء ، كما يقع للصديق بطريق الكرامة والإكرام ، وإنما تحصل التفرقة بينهما باتباع الكتاب والسنة " انتهى من " فتح الباري " (12/385).
ومن الخوارق: السحر، لكنه يحصل بقواعد يمكن تعلمها، كما أنه يمكن إبطاله بخلاف المعجزة والكرامة.
وينظر في الفرق بين المعجزة والكرامة والسحر: جواب السؤال رقم : (124838) .
ثانيا :
قد تقع بعض الخوارق على يد المشركين والفسقة، بسبب اقتران الشياطين بهم، فيأتون من الأعمال من جنس ما يأتي به السحرة، وذلك بإعانة الشياطين لهم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " في أصناف المشركين ، من مشركي العرب ، ومشركي الهند والترك واليونان وغيرهم، من له اجتهاد في العلم والزهد والعبادة ؛ ولكن ليس بمتبع للرسل، ولا يؤمن بما جاءوا به، ولا يصدقهم بما أخبروا به ، ولا يطيعهم فيما أمروا، فهؤلاء ليسوا بمؤمنين، ولا أولياء لله، وهؤلاء تقترن بهم الشياطين ، وتنزل عليهم ، فيكاشفون الناس ببعض الأمور ، ولهم تصرفات خارقة من جنس السحر ، وهم من جنس الكهان والسحرة الذين تنزل عليهم الشياطين ، قال تعالى : (هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ . تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ . يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ ).
وهؤلاء جميعهم الذين ينتسبون إلى المكاشفات وخوارق العادات ، إذا لم يكونوا متبعين للرسل : فلا بد أن يكذبوا ، وتكذبهم شياطينهم ، ولا بد أن يكون في أعمالهم ما هو إثم وفجور ، مثل نوع من الشرك أو الظلم أو الفواحش أو الغلو أو البدع في العبادة ؛ ولهذا تنزلت عليهم الشياطين واقترنت بهم، فصاروا من أولياء الشيطان، لا من أولياء الرحمن . قال الله تعالى : ( وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ ) " انتهى من " مجموع الفتاوى " (11/ 172).
ثالثا:
هناك أمور يظن أنها خارقة، وهي في الحقيقة خدع بصرية تُنال بالتعلم، وثمة العشرات من البرامج الوثائقية البحثية ، التي توضح هذه الحيل ، وتسمي الأشياء بأسمائها الحقيقية، وتشرح للناس طرائق التمثيل التي يتبعها هؤلاء المشتغلون بالخوارق، حتى كان آخرها ما وقع لأحد أشهر السحرة العالميين من طيران في الهواء على مرأى من الناس ، ثم لم تلبث وسائل الإعلام أن أظهرت حقيقة ما جرى ، وأنه كان معلقا بخيوط دقيقة جدا ، ومتينة جدا ، لا تكاد تشاهدها العين بسهولة.
وبعض الدجالين يدهن جسمه بمواد معينة، ثم يدخل النار فلا تحرقه، وبعضهم يدخل أسياخ في شدقيه فلا ينزف، اعتمادا على اختيار مواضع معينة، وهذه أمور لا تدخل في الخوارق، وإنما هي من الحيل والخداع. وينظر: جواب السؤال رقم : (223174) .
وقد تبين بهذا أن الخوارق الحقيقية أنواع، منها ما يكون للأنبياء والصالحين، ومنها ما يكون للكفار والزنادقة، ولهذا فإننا لا نغتر بحصول خارق على يد إنسان، بل ننظر في سيرته واستقامته.
ونحن نرحب بأسئلتك، ونرجو أن يشرح الله صدرك للإسلام لتفوز بالجنة وتنجو من النار، فبادر بالبحث والتحري عن أصل الدين، وعن سبيل النجاة والفلاح.
وينظر للفائدة: جواب السؤال رقم : (238889) .
والله أعلم.