عنوان الفتوى : خوارق العادات قد تجري على يد غير المسلمين فتنة وابتلاء

مدة قراءة السؤال : دقيقتان

<>السؤال: ما حكم هذه الحوادث : 1. القسيس/الراهب يضع الصليب على وجه ولد مسلم أعمى ، ويتكلم باسم المسيح ، ويضع ماء عليه ، وينقلب بصيرا ، هل هو غير حقيقي ، وأنه فقط تمثيلي , أم أنه حقيقي واستخدم فيه سحر ليرد البصر , أم أنه حكمة من الله ؟ 2. راهبة نصرانية دعت إلى قديس ميت تطلب منه الشفاء من مرض parkinsons disease فاستجاب لها , مع العلم أنه قد مات فذهب المرض فشفيت . هل هي قصة أكذوبة أم حقيقية ؟ ماذا يجب علينا نحن المسلمين أن نعمل ونعتقد حينما نرى الكفار مثل القساوسة والرهبان يعالجون المرضى بالصليب ، وباسم المسيح ، فيحدث الشفاء ، هل نقول سحر وشعوذة وحيل , أم نقول تمثيل , أم نقول حدث الشفاء من الله وحده لحكمة من الله ليمتحن المؤمنين ؟

مدة قراءة الإجابة : 8 دقائق


الحمد لله
إذا سمعت أو شاهدت مثل هذه الحكايات والأخبار والأحوال ، فتذكر أمرين مهمين ، لا يغيبان عن ذهنك وقلبك :
أولهما :
تذكر المسيح الدجال ، الذي جاءت الأحاديث المتواترة بخروجه آخر الزمان ، وامتلأت بها كتب الصحاح والسنن ، وقد ثبت فيها أن الله عز وجل يُجري على يديه العديد من خوارق العادات الظاهرة ، اختبارا للناس أيتبعونه أم يكفرون به ، حيث لا تكون الفتنة إلا بمثل هذا النوع من الخوارق العظيمة ، إلى درجة إحياء الموتى ، وإنبات الزرع ، وإنزال المطر ، وتكليم الدواب ، ونحو ذلك .
فهل ستصدق بعد ذلك مبطلا يدَّعي تصديق باطله بخارق من خوارق العادات ؟!!
وهل سيكون غير المسيح الدجال ، من السحرة والمشعوذين والقساوسة والرهبان والبوذيين والسيخ والهندوس والملاحدة ، وغيرهم ممن نراهم اليوم يتظاهرون بخوارق العادات – هل سيكون هؤلاء جميعا أقوى تأثيرا ، وأعظم في خوارقهم ، وتصرفاتهم ، من المسيح الدجال ، فنؤمن بأديانهم ونكذب الدجال !!
يقول الإمام الشاطبي رحمه الله :
" ليس كل ما يظهر على يدي الإنسان من الخوارق بكرامة ، بل منها ما يكون كذلك ، ومنها ما لا يكون كذلك .
وبيان ذلك بالمثال أن أرباب التصريف بالهمم ، والتقربات بالصناعة الفلكية ، والأحكام النجومية ، قد تصدر عنهم أفاعيل خارقة ، وهي كلها ظلمات بعضها فوق بعض ، ليس لها في الصحة مدخل ...
وإن كان بغير دعاء كتسليط الهمم على الأشياء حتى تنفعل ، فذلك غير ثابت النقل ، ولا تجد له أصلا ، بل أصل ذلك : حال حِكْمي ، وتدبير فلسفي لا شرعي ؛ هذا وإن كان الانفعال الخارق حاصلا به ، فليس بدليل على الصحة ، كما أنه قد يتعدى ظاهرا بالقتل والجرح ، بل قد يوصل بالسحر والعين إلى أمثال ذلك ، ولا يكون شاهدا على صحته ؛ بل هو باطل صرف ، وتعد محض ، وهذا الموضع مزلة قدم للعوام ، ولكثير من الخواص ".
انتهى باختصار من " الموافقات " (2/444-446) .
ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" تجد كثيرا من هؤلاء عمدتهم في اعتقاد كونه وليا لله : أنه قد صدر عنه مكاشفة في بعض الأمور ، أو بعض التصرفات الخارقة للعادة ، مثل أن يشير إلى شخص فيموت ؛ أو يطير في الهواء إلى مكة ، أو غيرها ، أو يمشي على الماء أحيانا ؛ أو يملأ إبريقا من الهواء ؛ أو ينفق بعض الأوقات من الغيب ، أو أن يختفي أحيانا عن أعين الناس ؛ أو أن بعض الناس استغاث به وهو غائب أو ميت فرآه قد جاءه فقضى حاجته ؛ أو يخبر الناس بما سرق لهم ؛ أو بحال غائب لهم ، أو مريض ، أو نحو ذلك من الأمور .
وليس في شيء من هذه الأمور ما يدل على أن صاحبها ولي لله . بل قد اتفق أولياء الله على أن الرجل لو طار في الهواء ، أو مشى على الماء ، لم يغتر به حتى ينظر متابعته لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وموافقته لأمره ونهيه .
وكرامات أولياء الله تعالى أعظم من هذه الأمور ؛ وهذه الأمور الخارقة للعادة - وإن كان قد يكون صاحبها وليا لله - فقد يكون عدوا لله ؛ فإن هذه الخوارق تكون لكثير من الكفار والمشركين وأهل الكتاب والمنافقين ، وتكون لأهل البدع ، وتكون من الشياطين .
فلا يجوز أن يظن أن كل من كان له شيء من هذه الأمور أنه ولي لله ؛ بل يعتبر أولياء الله بصفاتهم وأفعالهم وأحوالهم التي دل عليها الكتاب والسنة ، ويعرفون بنور الإيمان والقرآن ، وبحقائق الإيمان الباطنة ، وشرائع الإسلام الظاهرة " .
انتهى باختصار من " مجموع الفتاوى " (11/213) .
ويقول أيضا رحمه الله :
" في أصناف المشركين ، من مشركي العرب ، ومشركي الهند والترك واليونان وغيرهم ، من له اجتهاد في العلم والزهد والعبادة ؛ ولكن ليس بمتبع للرسل ، ولا يؤمن بما جاءوا به ولا يصدقهم بما أخبروا به ، ولا يطيعهم فيما أمروا ، فهؤلاء ليسوا بمؤمنين ، ولا أولياء لله ، وهؤلاء تقترن بهم الشياطين ، وتنزل عليهم ، فيكاشفون الناس ببعض الأمور ، ولهم تصرفات خارقة من جنس السحر ، وهم من جنس الكهان والسحرة الذين تنزل عليهم الشياطين ، قال تعالى : (هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ . تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ . يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ ). وهؤلاء جميعهم الذين ينتسبون إلى المكاشفات وخوارق العادات ، إذا لم يكونوا متبعين للرسل : فلا بد أن يكذبوا ، وتكذبهم شياطينهم ، ولا بد أن يكون في أعمالهم ما هو إثم وفجور ، مثل نوع من الشرك أو الظلم أو الفواحش أو الغلو أو البدع في العبادة ؛ ولهذا تنزلت عليهم الشياطين واقترنت بهم فصاروا من أولياء الشيطان لا من أولياء الرحمن . قال الله تعالى : ( وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ ) " انتهى من " مجموع الفتاوى " (11/ 172).
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله:
" خرق العادة قد يقع للزنديق بطريق الإملاء والإغواء ، كما يقع للصديق بطريق الكرامة والإكرام ، وإنما تحصل التفرقة بينهما باتباع الكتاب والسنة " انتهى من " فتح الباري " (12/385) .
ثانيا :
تذكر أيضا في مثل هذا المقام أن أكثر ما ينتشر على وسائل الإعلام اليوم ، إن لم يكن جميعها ، وما يشاهده الناس عيانا مما يظنونه خارقا للعادة ، إنما هي حيل وخدع بصرية ، أو مشاهد تمثيلية ، لا أكثر ولا أقل . حتى غدا تصديق أحد بدعواه خرق العادة ، في مثل ذلك ، من السذاجة بمكان ، فثمة العشرات من البرامج الوثائقية البحثية ، التي توضح هذه الحيل ، وتسمي الأشياء بمسمياتها ، وتشرح للناس طرائق التمثيل التي يتبعها هؤلاء المشتغلون بالخوارق ، حتى كان آخرها ما وقع لأحد أشهر السحرة العالميين من طيران في الهواء على مرأى من الناس ، ثم لم تلبث وسائل الإعلام أن أظهرت حقيقة ما جرى ، وأنه كان معلقا بخيوط دقيقة جدا ، ومتينة جدا ، لا تكاد تشاهدها العين بسهولة .
وينظر للفائدة : " تلبيس إبليس " لابن الجوزي (ص 340-342) .
هذا وقد سبق في الموقع بيان حرمة طلب الرقية من غير المسلمين ، وخاصة من القساوسة والرهبان ، وذلك في الأرقام الآتية : (180492) ، (149490) ، (147094) .