عنوان الفتوى : حكم خروج الفتاة في المظاهرات دون إذن والديها
أنا فتاة عمرى 20 عاماً، فهل يجوز لي أن أخرج للمشاركة في المسيرات المصرية لنصرة الشريعة الإسلامية والشرعية والتنديد بالانقلاب العسكري في مصر ولاسترداد حق الشهداء دون رضا أبي وأمي؟.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالغالب والظاهر أن منع والديك إياك من الخروج في هذه المسيرات، إنما هو بسبب الخوف عليك، فإن كان هذا الخوف في موضعه لتعرضك للخطر حال خروجك، فيجب عليك طاعتهما، وقد سئل الشيخ ابن باز عن حكم خروج الفتاة بدون علم والدها للدعوة إلى الله، أو لزيارة المرضى وفعل الخيرات؟ فكان مما أجاب به: نعم لها الخروج للدعوة، وزيارة الأقارب، وعيادة المريض بالتحفظ والعفة والتستر والحجاب، لا بأس، وإن لم تستأذن والدها، إلا إذا كان في خروجها خطر فل بد من إذن والدها. اهـ.
http://www.binbaz.org.sa/node/18297
فجعل الشيخ حتمية الاستئذان عند وجود الخطر في خروجها ولو كان لباب من أبواب الخير والطاعة، وهذا هو محل الاستدلال من كلام الشيخ ـ رحمه الله ـ وراجع كلامه بطوله في الفتوى رقم: 173843.
وقد أطلق المنع بعض أهل العلم ولم يقيده بالخطر، قال الشيخ عبد الكريم الخضير في شرح المحرر في الحديث: لا يجوز للمرأة أن تخرج من بيتها إلا بإذن زوجها، وإذا لم تكن متزوجة، فلا تخرج إلا بإذن أبيها، لأنه هو ولي أمرها، وهو مالك أمرها، وهو الذي يقوم على مصالحها، وهو الذي يكفها ويكف عنها ما يشينها ويدنسها، وعارها عار له، وعرضها عرض له. اهـ.
وعلى أية حال، فلا يخفى أن من جملة البر استئذان الوالد للخروج، فإن للبرِّ نوعَ حجرٍ على الولد، قال القرافي في الفروق: إن قلت قد قال مالك: إذا احتلم الغلام ذهب حيث شاء وليس لأبويه منعه، قلت: هذا في الحضانة، لأنه قبل البلوغ كان تصرفه بإذن كافله، فإذا بلغ ذهب حجر الحضانة، وتجدد حجر البر، ويؤكد ذلك قول مالك في الذي دعاه أبوه من السودان ومنعته أمه، فمنعه مالك من الخروج بغير إذن الأم، وقال له: أطع أباك، ولا تعص أمك. اهـ.
وقال الشيخ ابن عثيمين: من بر الوالد أن لا تذهب هذه المرأة إلى صديقتها إلا بإذن والدها. اهـ.
وهنا نذكر الأخت السائلة بأن أجرها على بر والديها وطاعتهما قد يفضل على ما تريده من الأجر، قال القرافي: ومما يدل على تقديم طاعتهما على المندوبات ما في مسلم: أن رجلا قال: يا رسول الله أبايعك على الهجرة والجهاد، قال: هل من والديك أحد حي؟ قال: نعم، كلاهما، قال: فتبتغي الأجر من الله تعالى؟ قال: نعم، قال: فارجع إلى والديك فأحسن صحبتهما ـ فجعل عليه السلام الكون مع الأبوين أفضل من الكون معه، وجعل خدمتهما أفضل من الجهاد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا سيما في أول الإسلام، ومع أنه لم يقل في الحديث أنهما منعاه، بل هما موجودان فقط، فأمره عليه السلام بالأفضل في حقه، وهو الكون معهما، وفرض الجهاد فرض كفاية يحمله الحاضرون عند النبي صلى الله عليه وسلم عنه.. وهذا الحديث أعظم دليل وأبلغ في أمر الوالدين، فإنه عليه الصلاة والسلام رتب هذا الحكم على مجرد وصف الأبوة مع قطع النظر عن أمرهما وعصيانهما وحاجتهما للولد وغير ذلك من الأمور الموجبة لبرهما، بل مجرد وصف الأبوة مقدم على ما تقدم ذكره، وإذا نص النبي عليه الصلاة والسلام على تقديم صحبتهما على صحبته عليه السلام، فما بقي بعد هذه الغاية غاية، وإذا قدم خدمتهما على فعل فروض الكفاية فعلى النفل بطريق الأولى، بل على المندوبات المتأكدة. اهـ.
ثم قال في نهاية هذا الفصل: ضابط ما يختص به الوالدان دون الأجانب هو اجتناب مطلق الأذى كيف كان إذا لم يكن فيه ضرر على الابن، ووجوب طاعتهما في ترك النوافل وتعجيل الفروض الموسعة وترك فروض الكفاية إذا كان ثم من يقوم بها، وما عدا ذلك لا تجب طاعتهم فيه وإن ندب إلى طاعتهم وبرهم مطلقا. اهـ.
وراجعي للفائدة الفتوى رقم: 36196.
ومما يؤكد ذلك أن كل جهاد غير متعين يجب استئذان الوالدين للخروج إليه، فإن منعا حرم الجهاد، كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 112181.
وهذا في حق الرجل، فما بالنا بالمرأة، وهي التي لا يجب عليها الجهاد أصلا؟! وإذا كان ذلك كذلك، فاستئذان الوالدين للمشاركة في المسيرات أشد وآكد، وفي حق المرأة أهم وأجدر، وأما أصل حكم مشاركة المرأة في المسيرات والمظاهرات، فما يجوز فعله منها يجوز للمرأة أن تشارك فيه، بشرط انضباطها بالضوابط الشرعية من الستر والحجاب وعدم الاختلاط المريب بالرجال وغض البصر، وغير ذلك من الضوابط الشرعية المتعلقة بالمرأة عند خروجها، وراجعي في ذلك الفتوى رقم: 42968.
فإن اختل هذا الشرط لم يجز لها الخروج، وراجعي الفتوى رقم: 15749.
وأخيرا ننبه على أن مناصرة الشريعة ونصرة الحق لا تتوقف على صورة واحدة، والمرأة المسلمة لها أبواب كثيرة يمكنها من خلالها القيام بذلك، وراجعي في بيان بعضها الفتوى رقم: 119469.
والله أعلم.